للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الضحك وقد قيل في الأمثال أن الإنكليزي الأصلي إذا باشر لذته باشرها بهيئة الحزن وأن المرأة الإنكليزية تزداد في ذلك غلواً فهي تستمد لذتها من الحزن ذاته.

أنا لا أتهكم ولا أسخر. وما كنت لأسخر قط من أي شيئ يرقق القلوب في هذه الدنيا الجافية القاسية. ونحن معشر الرجال مع ما بنا من قسوة فؤاد وغلظة أكباد ما كان لنا أن نريد النساء على أن يكن مثلنا قسوة وشدة، كلا أيها النساء فلتكن أبداً رقيقات لينات ولتكن ندى الحياة وطلها المرطب ويبسها المطفئ حرارتها ولتكن عسل الحياة المحلي خبزها اليابس الخشن. هذا وإن البكاء للنساء يشبه الضحك للرجال وعاطفة الحزن فيهن كعاطفة الهزل فينا! ومن يدرينا أنا أحسن منهن مذهباً في ذلك وأفضل سبيلاً. ومن ذا يقول أن الضحك ويحدثه من إمالة الأعناق وشق الأشداق وتعويج الأبدان وإغماض الأجفان - ادل على السرور النقب والفرح المهذب من رقة الأسى وما من رأس مطرق وجيد منكس وبصر شاخص وطرف ساه وجفن مغرورق ينظر من فجأة الزمن القاتمة الأعماق غلى شبح الماضي المتضائل.

وإذا رأيت المرء يسايره الاحزن جنباً لجنب ويصافحه يداً بيد فاعلمن أن الحزن قد عاد سهلاً خفيفاً هيناً ليناً حتى أصبح يطاق ويحتمل بل أصبح تستلذ صحبته وتستحلى خلطته وأصبحت الملوحة قد زالت عن دموعه فآضت عذبة والشوكة قد نزعت من زهرته فلا ضير على المستروح أن يدنيها من أنفه ووجنة الحزن الأسيلة الصقيلة قد سلت منها الابرة الجارحة حتى أمكننا أن نلصقها بوجناتنا ونلمس شفتها بشفاهنا. ونحن إذا استطعنا أن ننظر بعين الذكرى إلى الفاجعة الأليمة التي رزخنا مرة تحت فادح عبئها وأغمي علينا لشدة جهدها وبلائها - إذا استطعنا أن نعيد إليها كرة الطرف بناظر الذكرى ثم لم تثر في قلوبنا ثتئرة اللوعة والحرقة واليأس والقنوط فاعمن أن يد الزمان الآسية وكفه المداوية قد لا شك مست مكان الطعنة الحمراء فضمدت جرحها ودملت قرحها.

هذا الحزن اللذيذ والشجن العذب أكثر ما يكون انبعاثه في النفس ساعة الغروب التي وصفها الشاعر ورد ذورث بقوله:

هاتيك ساعة رقة وصبابة ... وتخشع لله واستعبار

ووصفتها الروائية (جورج اليوت) بقولها (شجى الأصائل الصيفية) وما أصدق