وإذا خطبت فالأفواه من هيبة وإعظام ملجمة. أجل يا انتونيو إني أعرف من الناس من اشتهروا العقل والحكمة لغير سبب سوى التزامهم الصمت في المجالس. وفي اعتقادي أنهم لو تكلموا لأصموا الآذان بسخافة أقوالهم حتى يضطر سامعوهم إلى رميهم بالسفه والحماقة. وسأحادثك في هذا الشأن مرة أخرى. ولكن حذار أن تتلمس هذه الشهرة الباطلة - شهرة الحكمة والحجى - بتلك الوسيلة الكاذبة - وسيلة الصمت والإطراق فإنها شر واسطة إلى شر غاية وأخس شرك ينصب لأخس صيد هلم بنا يا لورنزو وسلام عليكم إلى حين. وسأكمل نصيحتي بعد الغداء.
لورنزو - فلندعك إذن إلى ما بعد الغداء. لأكونن أحد هؤلاء العقلاء البكم، ولا غرو فإن جراشيانو لا يدعني أنطق البتة.
جراشيانو - لازمني عامين منذ اليوم فإنك تصبح لطول صمتك لا تكاد تعرف صوت لسانك.
أنتونيو - سلام عليك. سأروض نفسي مذ الآن على الإفاضة في الكلام.
جراشيانو - شكرا لك فالصمت لا يحمد إلا في لسان ثور قديد.
(ينصرف جراشيانو ولورنزو)
أنتونيو - ناشدتك الله هل تجدن لهذا الكلام معنى؟
باسانيو - إن جراشيانو أكثر أهل فينيسيا لغوا وهراء وهذرا فكلامه كحبتين من القمح مخبوءتين في مكيالين من نخالة تبحث عنهما طوال اليوم حتى تصيبهما فإذا أصبتهما وجدتهما لا تستحقان بحثك وتنقيبك.
أنتونيو - دعنا من هذا ونبئني من تلك السيدة التي عزمت أن ترحل إليها سرا في أمر وعدتني شرحه وبيانه.
باسانيو - لا يخفى عليك يا أنتونيو أني طالما أسرفت في النفقة تحيفا من ثروتي لأكتسي من أبهة الترف ومظاهر النعمة ما تقعد بي رقة حالي عن التمادي فيه والاستمرار عليه، وما أنا اليوم بآسف أن تلجئني الضرورة إلى أن أحذف من عيشة التبذير التي أعيشها كل هذه الفضول والحواشي. إنما همي الوحيد هو التماس أشرف وسيلة للتخلص مما ورطني فيه السرف والتبذير من ديوني الفادحة. وإنك يا أنتونيو ما زلت أجود الناس علي بالحب