أمها ابتغاء تهذيبها وترقية مداركها ولكن شارتكوف لم ير أدنى شيء من هذا كله. بل كل ما رآه هوذلك الوجه الحلوالجميل الذي هوأجذب الأشياء لريشته. وهنا عرته الفرح وهزت الطرب لسنوح هذه الفرصة المعينة على إظهار ما قد كمن من أسرار الحذق والمهارة في ريشته التي لم يتح لها حتى الساعة من الوجوه إلا كل خشن غليظ مقبوح السحنة فرأى بعين خياله ما توه ما سوف تحويه الصورة التي يهم برسمها من محاسن الإتقان والإبداع.
وقالت السيدة (إني أريدها أن ترسم في ثوب ساذج بسيط وبين الظلال الخضر مثل الرياض والخمائل وعلى مسافة منها قطيع من الأنعام حتى لا يرى أنها ممن يغشين حفلات المراقص والمآدب. فإني أعلم يقينا أن مراقصنا ومآدبنا تقتل الملكات الذهنية وتميت كل أثر باق من أثار الإحساس الرقيق والشعور الحي فوا حزنا وولهفا على ما باد واندثر من عيشة التبسط وحياة السذاجة!) يا للأسف لقد كان وجه السيدة ووجه ابنتها ينمان عن إدمانهما غشيان المراقص والمآدب إلى حد أنهما أصبحتا تشبهان تمثالين من الشمع.
شرع شارتكوف في العم فأجلس الفتاة الجلسة المطابقة لأصول الفن ثم تدبر مليا حتى أوضح لنفسه الفكرة الأساسية وحددها وأخذ يهز فرشته ويحركها في الهواء يجدد بذلك النقط الجوهرية في ذهنه. وبعد ذلك ابتدأ فأتم رسم الهيكل في ساعة. ولم اطمئن إلى ذلك وسر به شرع في التصوير. وحين إذ افتتن بالعمل افتتانا وسحر به سحرا حتى نسي كل شيء - نسي وجود السيدتين ذاتهما - إلى حد أنه صار يبدومنه تلك الخصائص الصناعية التي لا يحب رجال الفن أن يطلع عليها الناس كتلك الحركات الجثمانية وتلك الأصوات الغريبة وتلك الهمهمة والغمغمة والطنين والصفير الذي يأتيه الفنيون حالة أنهما كهم في العمل بكلياتهم وجزئياتهم. بل لقد نسي مركزه إلى حد أنه أمسك رأس الفتاة الارستقراطية فرفعها بيديه وكانت قد نكست من التعب:
قالت السيدة (حسبنا اليوم هذا) قال المصور ناسيا نفسه (كلا. بل نستمر برهة أخرى) قالت السيدة مخرجة من جيبها ساعة ذهبية صغيرة (كلا لقد آن أن تقف. ليزا! الساعة الثالثة! لقد تأخرنا كثيرا)
قال شارتكوف بسذاجة وسلامة نية وبلهجة الطفل المتضرع المتذلل: دقيقة دقيقة - فقط لحظة لحظة أخرى)