للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يربين أبناءهن على الرقة والرخاء قد أولعن بهم النوائب وأغرين بهم ريب الدهر.

فعليكن بالطبيعة فتأثرنها ولا تعدلن عن جادتها وأعلمن أنها لا تنفك تستحث الطفل على الحركة وتسبكه بتصاريفها وتحنكه في صبائه حتى إذا عض على ناجذ الحلم صار ثبت الغدر صليب النبع جميع الفؤاد.

على أن التجارب قد أظهرت أن الموت بين نشأ من الأطفال على الترف والرفه أكثر تفشياً منه بين من ألفوا مضاجع الخشونة. وأعلم أن الطفل إذا لم يكلف فوق وسعه فالحركة أجدى عليه من السكون وأردّ والراحة أضر به من التعب وإذا كان الأمر كما علمت فخليق بنا أن نبلوا أبناءنا بشيء من الشدة في حدثانهم وأن نعرضهم لاختلاف الفصول والأقاليم وتقلب الأجواء وأن نغمرهم في مياه الستيكس فإن من تجرع في صباه الغصص لم تؤثر فيه المحن إذا شب ونما إلا كما تؤثر الهزمة في الصخر. وما دام الطفل لم يجر على عادة ما فإنك تستطيع أن تفعل به ما تشاء من غير أن تمسه بأذى أو تلحق به ضررا فأما إذا كان قد تعود شيئاً فلست آمن عليه أن لا يضر به ما تريد أن تحمله عليه. ومن أجل هذا كان الطفل أشد احتمالاً للتغير وإطاقة للتبدل ممن بلغ أشده وتناهى شبابه وذلك لأنه ما زال غضاً طرياً يحتمل أن يثنى ويصب في ما تشاء من القوالب ولكن الرجل لا يطيق ذلك لأنه قد جمد وجف ماؤه فأصبح كالعود اليابس إن تثنيه انكسر ولهذا فأنت نقدر أن تجعل الطفل قوياً وثيقاً إذا عرفت سبيل ذلك وربما كان فيه شيء من الخطر على الطفل غير أن ذلك ليس خليقاً أن يحيلك عن قصدك أو يقطعك عن عزمك لأنه خطار لا مذهب لك عنه ولخير لك أن تخاطر اليوم والخطار غير موبق من أن تقحم الطفل غدا قحم الهلكات وتركبه الأهوال.

وكلما ارتفعت سن الطفل زاد ضن أبويه به وحرصهم عليه وكلفهم به لأنه ينبغي أن يضاف إلى قيمة شخصه ما كلفهما من العناية والكد والعناء والجهد وإلى موته تخوفه منه وإضماره مخافته واستشعار حذاره ولذلك كان العقل كل العقل والحزم كل الحزم أن لا يخلجنا قيامنا على الطفل وحياطتنا له عن توسم المستقبل وأيقاظ رأينا له أي أن من واجب الأب أو المربي أن يأخذ لأمراض الشباب عدتها ويتذرع لحسمها بذرائعه قبل أن يبلغ الطفل هذا السن لأنه إذا كانت قيمة الحياة لا تزال مطردة الازدياد حتى يبلغ الطفل السن