للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي تكون فيها الحياة نافعة فهل رأيت أحمق ممن يدخر للطفل إلا وصاب والعلل ضنابه أن يتألم وهو طفل طري لا يحس وأعلم أن الشقاء نصيب كل حي وقسمة كل موجود حتى حياطة الطفل ليست بنجوة من الآلام ولعمري أن السعيد من لم يعرف في طفولته غير علل الجسم وأوجاعه فإنها أهون خطباً من سواها والنفس أصبر عليها وأجلد وهيهات ما يئن له الجسم مما تنقض له الجوانح وتذوب له لفائف القلوب ويؤثر من أجله الموت؟ أم تحسب الناس ينتحرون لورم في الرجل أو وجع في الرأس. لعمر أبيك لا يميت الرجاء ويبعث اليأس إلا هموم تعتلج في الصدور وتجول في القلب. وليس أحق بالعطف والرحمة ممن ذهبت بلته ورث برد شبابه.

يولد الطفل فيبكي وتنقضي أيامه الأولى بين عبرة تترقرق وزفرة تتردد وألام في خلال ذلك آنا تلاطفه وتداعبه ليكف عن البكاء ويمسك عن العويل وآونة تتوعده وتضربه ليحبس عنان دمعه ويغيض من عبراته تارة تنقاد له وتنزل على حكمه وطوراً تجرضه بريقه وتأخذه أخذ عزيز مقتدر فهي أبداً مذبذبة بين بذل الطاعة له والامتثال لإشارته وبين إرغامه على طاعتها والقعود تحت حكمها وليست تعرف بين ذلك سبيلاً تسلكه فكأن الطفل لا معدل له عن واحدة من اثنين الأمر أو الطاعة. وعلى ذلك ينشأ الطفل وقد تعلم أول ما تعلم التحكم والذلة فتراه يأمر وهو لا يحسن أن يتكلم ويذعن وهو لا يحسن أن يفعل شيئاً وقد تجزيه أمه بإساءة توهمتها وهو لا يعرف بأي ذنب آخذته وعلى أية زلة جازته. ولعله بمنتزح عما عوقب عليه بريء العهد مما رمي به! ولعله لا يدري كيف يذنب أو يخطئ. ونتيجة ذلك أن صدره يمت في أول نشأته بعواطف وإحساسات نعزوها نحن إلى الطبيعة ونزعم أنه مطوي عليها بسليقته وته. وإذا ساءت خليقته وخبثت خملته تسخطنا القضاء ونحن الذين غمسناه في الفساد وأولعناه بالسوء وغللنا يده عن الخير وأطلقناها في الشر! فهو غرس أيدينا ولا ينتج الغرس السيء ثمرة طيبة.

فإذا سألتني عما يجب عليك فعله لتصون فطرة الطفل التي فطره الله عليها من أن تخبث وتعبث بها يد الفساد قلت لك أن أول ما ينبغي عليك فعله هو أن لا تدع أيدي الغرباء تصل إليه فإن الزهرة الأرجة إذا كثر عبث الأيدي بها ذبلت فإذا رزقك الله مولوداً فلا تكله إلى غيرك حتى يبلغ أشده فإن المرضعة الحقيقية هي الأم والمؤدب الحقيقي هو الأب وهما