للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ما أشرك فيك القلب فلم ... في نار الهجر تخلده

نعم وكان ابن عباد نفسه شاعراً بل كانت جواريه شواعر بل كان المكان نفسه قصيداً من الشعر. تلك هي الأندلس التي كانت فردوس هذه الأرض كما كانت أيامها ربيع الدهر

سلام ترجف الأحشاء منه ... على الحسن بن وهب والعراق

على البلد الحبيب إليّ غورا ... ونجداً والأخ العذب المذاق

ليالي نحن في وسنات عيش ... كأن الدهر عنا في وثاق

وأيام لنا وله لِدَان ... عريناً من حواشيها الرقاق

لقد انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام

* * *

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولعمري لقد اخطأ من قال إن علة ضياع الأندلس تفشي الأدب والشعر بين أهليها وإنما هو أستغفر الله خطأ الأقدار، وتقلب الليل بالناس والنهار، وإلا فقد ملك الأندلس بعد هذا العهد الشاعر. الرجل الجد الوعر المقادة يوسف بن تاشفين صاحب مرّاكش ثم دولة الموحدين وبقيت بأيدي المسلمين بعد ذلك العهد نيفاً وثلثمائة سنة نبغ في خلالها الفلاسفة والأطباء والكيماويون والمخترعون والمكتشفون مثل ابن رشد وابن الطفيل وبني زهر (أبي العلاء وأبي مروان وأبي بكر) وأبي القاسم الزهراوي وأبي القاسم عباس بن فرناس أول من اخترع الطيران وأولئك الأخوة الذين ركبوا بحر الظلمات (المحيط الأطلانطيقي) ليبحثوا عن أرض غير هذه الأرض - وقد كان للمسلمين الأساطيل العظام، والجواري المنشآت في البحر كالأعلام، حين كانت أوربة أمماً موحشة لا أثر للعلم والمدنية بين ربوعها ولكن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده.

شعر ابن حمديس في الأندلس

ففي هذه البيئة التي كلها شعر وكل من فيها شاعر ملوكها ووزراؤها ونساؤها وأرضها وسماؤها وقصورها وأنهارها قال ابن حمديس أكثر شعره وأجزله وأبرعه ذلك الشعر الواضح الجلي اللطيف المسلك إلى النفوس الحسن الموقع من القلوب لأنه لغة الطبيعة إذ هي التي أنطقته ولكن ليس كلٌّ تنطق الطبيعة وإنما هي تنطق من يعرف ألجانها ويفهم