للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حال ذلك السر الهائل يناجيه ها أنا ذا فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهي مقدس وما كلمة مثل هذا الرجل إلا صوت خارج من صميم قلب الطبيعة فإذا تكلم فكل الآذان برغمها صاغية وكل القلوب واعية وكل كلام ما عدا ذلك هباء وكل قول جفاء وما زال منذ الأعوام الطوال - منذ أيام رحله وأسفاره يجول بخاطره آلاف من الأفكار: ماذا أنا؟ وما ذلك الشيء العديم النهاية الذي أعيش فيه والذي يسميه الناس كونا؟ وما هي الحياة؟ وما هو الموت؟ وماذا أعتقد؟ وماذا أفعل؟ فهل إجابته عن ذلك صخور جبل حراء أو شماريخ طود الطور أو تلك القفار والفلوات كلا ولا قبة الفلك الدوار واختلاف الليل والنهار ولا النجوم الزاهرة والأنواء الماطرة لم يبه لا هذا ولا ذاك وما للجواب عن ذلك إلا روح الرجل وإلا ما أودع الله فيه من سره!

وهذا ما ينبغي لكل إنسان أن يسأل عنه نفسه فقد أحس ذلك الرجل القفري أن هذه هي كبرى المسائل وأهم الأمور وكل شيء عديم الأهمية في جانبها وكان إذا بحث عن الجواب في فرق اليونان الجدلية أو في روايات اليهود المبهمة أو نظام وثنية العرب الفاسد لم يجده وقد قلت أن أهم خصائص البطل وأول صفاته وآخرها هي أن ينظر من خلال الظواهر إلى البواطن فأما العادات والاستعمالات والاعتبارات والاصطلاحات فينبذها جيدة كانت أو رديئة وكان يقول في نفسه هذه الأوثان التي يعبدها القوم لا بد من أن يكون وراءها ودونها شيء ما هي إلا رمز له وإشارة إليه وإلا فهي باطل وزور وقطع من الخشب لا تضير ولا تنفع وما لهذا الرجل والأصنام وإني تؤثر في مثله أوثان ولو رصعت بالنجوم لا بالذهب ولو عبدها الجحاجح من عدنان والاقيال من حمير أي خير له في هذه ولو عبدها الناس كافة؟ إنه في واد وهم في واد هم يعمهون في ضلالهم وهو ماثل بين يدي الطبيعة قد سطعت لعينيه الحقيقة الهائلة فإما أن يجيبها وإلا فقد حبط سعيه وكان من الخاسرين فلتجبها يا محمد! أجب لا بد من أن توجد الجواب أيزعم الكاذبون إنه الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام محمداً وأثاره حمق وأيم الله وسخافة وهوس أي فائدة لمثل هذا الرجل في جميع بلاد العرب وفي تاج قيصر وصولجان كسرى وجميع ما بالأرض من تيجان وصوالجة وأين تصير الممالك والتيجان والدول جميعها بعد حين من الدهر؟ أفي مشيخة مكة وقضيب مفضض الطرف أو في ملك كسرى وتاج ذهبي الذؤابة منجاة للمرء ومظفرة؟ كلا إذن