للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

منها فيها دوره الذي خص به وقدر له، ثم يحدث الناس به؟

والمرء مدفوع إلى ذلك بعاملين أحدهما علمي والثاني شعري. فأما أنه لا يزال يحاول أن يطلع على نفس أخيه الإنسان ويستكشفها مسوقاً إلى ذلك بدافع علمي، فلأن الطبيعة قد اختصت كل أحد بمسألة من مسائل الوجود هو مسؤل أن يحلها على الوجه الذي يبدو له، ولو لم يكن من ذلك إلا كيف وفق بين جسمه وروجه. وكيف عالج هذا في سبيل ذاك وأراد ذلك على طاعة هذا لكان ذلك حسبنا دافعاً وسائقاً مستحثاً. . إلا أن العامل الشعري أقوى دفعاً وأشد حملاً للنفس وإغراء لها وحضاً. فإن هذا التنازع بين الإرادة البشرية والحاجة المادية هو الشعر ولا شعر إلا به، وما زال العنصر الشعري في النفس أقوى من العنصر العلمي وأظهر وأن كانا في الحقيقة مظهرين مختلفين لشيء هو في جوهره واحد،. . . وكذلك ينظر أحدنا بعيون الناس فتكتحل عينه بعوالم متباينة، ويشاطرهم إحساسهم. فيحيا حياتهم كما يحيى حياته، وكأن كل واحد مرآة مجلوة - علمية شعرية - طبعية سحرية - نود لو أتيح لنا أن نرفع ما أرسل عليها من الحجب لنرى فيها وجوهنا ونبصر في صقالها نفوسنا. ونستبين في نورها أغمض أسرار الضمير وأخفى طوايا الصد،. . .

(وبعد) فلا يحسبن أحد أن الأمر ينتهي عند هذا القدر، ويقف عند هذا الحد، فإنه أكبر من ذلك وأعظم، والمسألة أدق وألطف، وما في النفس ميل أعرق، ونزعة أثبت من هذه النزعة الإنسانية التاريخية. لأن الإنسان كما قدمنا وجهة الإنسان في كل شيء، ومن أحل هذا تجد عنايته به شديدة، واهتمامه بآثاره كبيراً، وإجلاله لقدرها عظيماً، ومن أجل هذا أيضاً لا ينفك أحدنا وهو ينظر في قصيدة الشاعر أو رسالة الكاتب يحاول أن يصور لنفسه روحه التي كانت تحفزه، وعقله الذي أملى عليه وأوحى إليه، ومن ذا الذي لم تذهله عن نفسه قصيدة من الشعر حتى تجرد من نفسه، وتغري من شخصيته واعتاض منهما نفس الشاعر وشخصيته وروجه وعقله، وأي معنى في ظنك لهذا التجرد الوقتي؟. . . بل أي متعة ألذ من هذه الغيبة وأشهى وأطيب على رغم أنف النقادة الذين لا يفتأون يطلبون أن يتجرد المرء من إنسانيته ليتجرد من الهوى، وليكون أصح حكماً، وأصدق نظراً. كأن قيمة الشعر لا تقدر أيضاً على حسب اللذة المستفادة منه؟

كذب النقادة وصدق الإنسان! ولعمر النقادة لو أن قصيدة ابن الرومي التي يقول في