للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تغدو الفتاة لها خل فإن غدرت ... راحت ينافس فيها الخل خلان

نقول لو أن هذه القصيدة لم تكتبها يد الشاعر أو يد سواه من الناس وإنما ارتسمت حروفها على صفحة الطرس من تلقاء نفسها، ونبتت شطورها في ثرى القرطاس بفعل الهواء وتأثير الجو، كما تخضر الأرض جادتها ديمة سمحة القياد سكوب أكان يكون لها في تقديرك ما لها من الواقع، أم كنت مبوئها أخص موضع بين غيرها من القصائد البشرية كما أنت اليوم صانع بها؟ كلا!

تدبر ذلك تدبر من شأنه التوق إلى أن يعرف الأشياء على حقائقها، ويتغلغل إلى دقائقها، ويتجافى بنفسه عن مرتبة المقلد الذي يجري مع الظاهر، ومنزلة المكابر الذي يخطئ كل قول، ويعيب كل رأي، فإنه باب كثير المحاسن، جم الفوائد، يؤنس النفس، ويثلج الصدر، بما يفضي بك إليه من المعرفة، ويؤديه إليك من التبيين،. . . أو ما ترى الناس يأتون في كل عام إلى الأهرام، وما أظنها أروع جلالاً، وأبرع تكويناً، وأفتن جمالاً، ولا أدل على القدرة من جبال (الهملايا)؟. . .

ثم ألا ترى كيف تجاوز البحتري جبال لبنان وهضبها إلى رباع الفتح ابن خاقان في قوله:

تلفت من عليا دمشق ودوننا ... للبنان هضب كالغمام المحلق

إلى الحيرة البيضاء فالكرخ بعدما ... ذممت مقامي بين بصرى وجلق

مقاصير ملك أقبلت بوجوهها ... على منظر من عرض دجلة مونق

كأن الرياض الحو يكسين حولها ... أفانين من أفواف وشي ملفق

إذا الريح هزت نورهن تضوعت ... روائحه من فأر مسك مفتق

ومن شرفات في السماء كأنها ... قوادم بيض من حمام محلق

رباع من الفتح بن خاقان لم تزل ... غنى لعديم أو فكاكا لمرهق

وكيف أنه وصف الجعفري والإيوان والكامل والمتوكلية والصبيح والمليح والبركة وغير ذلك ولم يقل بيتاً في كهف أو جبل؟ وإنما كان هذا كذلك لأن النفس تجد لذة وعزاء في استجلاء آثار النفس.

كفرحة الأديب بالأديب * وطرب المحب بالحبيب

* وحنة المريض للطبيب *