للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكم صبغت هذا الوجه بعصارة الورس، وأبدلتني مقاعد الحصباء من الدمقس:

وأبرزتني للناس ثم تركتني ... لهم غرضاً أرمي وأنت سليم

وكم أنطقت وجداني الصامت وأسمعت صبري الأصم.

وجعلت قلبي لساني، وعيني بياني، ونشرتني صفحة تكتب فيها أفواه العذل وتتلوها عيون الوشاه.

فلو أن قولاً يكلم الجسم قد بدا ... بجسمي من قول الرجال كلوم.

وكم سخرت بهذه النفس الحكيمة، وقمت بين أخوتك من عوائد الأخلاق وحكام القلوب تريها إنك العادة الواحدة التي تأمر في كل نفس، وتتحكم في كل قلب، ويستوي عندها الأمير والحقير، والصغير والكبير، تعاليت في ملكوتك وتنزهت في قدرتك.

ألست أنت ذاك

وأنت الذي كلفتني دلج السري ... وجون القطا بالرقمتين جئوم

تلك عقبى ظلمك أيها الحب. ظلمت الناس فظلموك. وبدلتهم فبدلك. وصرت معنى شائعاً في المخلوقات كل ذي حاجة عاشق وكل ذي نزوة محب.

لا ألوم ظليلك فالبادي أظلم ولكن لا أعذر هذا الناس الجاهل الذي جعل مهبطك في غير القلب وأسكنك في غير مأواك.

إن العاطفة التي تخضع النفوس الكبيرة لأحكام الجمال الإنساني ليست إلا عاطفة شريرة تعتري الجسم ولا تتصل بالروح.

وإلا فأين تشبب الخصيان بالظباء. وتغزل النساء بالنساء.

وقليل ما يطهر الحب إذا لم يجز أحد الروحين الواقفين على حد واحد من العفة النادرة.

الحي هو الذل مع الكمال، لا حب بلا عفة، ولا عفة لحيوان:

الحب جزء من أجزاء الروح بل الروح جزء منه فإنه هو الإيمان الكامل الذي لم يهتد إليه مخلوق، ولم تتعده المهابة والخشوع.

وأني لهذا الحيوان الذي نما عوده من هذه النطفة القذرة أن يرتفع إلى منازل الملائكة المطهرين فيقال أنه - أحب - إن أسلافنا المجانين الأبرار من القائلين:

وإني لأستحييك حتى كأنما ... على بظهر الغيب منك رقيب