مروتهم ودينهم ويبلي جدتهم. ويذوى زهرتهم. ويوبس عودهم ويقوس عمودهم. ويمتص منهم من ماء الشباب وماء النعيم وماء الحياء وماء الحياة. ويتركهم أنقاضاً بالية. وأطلالاً عافية. فأضحى الفقر في أولئك الفقراء قد وجه هممهم إلى طرق الصواب والأمن وصرف عزائمهم إلى سبل الصلاح والتقوى فباتوا برغم أنوفهم عباد الجليل عشاق الجميل طلاب النبيل شيعه الهدى. لا در دركم معشر الغلمة الفقراء أتشكون الفقر وأنتم الأغنياء. والبؤس وأنتم السعداء لشد ما أصغرتم نعمة ما أجلها. وحقرتم عطية ما أجزلها. ألم تؤتوا وفرة الحظ في ثلاث هن ما هن. قراءة الكتب وقراءة الطبيعة وقراءة السريرة الإنسانية. ماذا تريدون؟
أركوب الفاره تبتغون. وليس القشيب تطلبون. ورؤية التمثيل تودون. وإلى سبل الغواية تجنحون. ومواطن الإثم لو أمكنتكم الفرصة تجمحون. ما أجشم الخطب وأعظم الكرب لو أسعفكم الدهر بهذه المطالب. وأسعدكم القدر بهاتيك المآرب! كلا إنكم لفي حرز من ذلك. وإن حولكم ملائكة حراساً ما إن يزلن يكالمن جباهكم بأكاليل الحياة. تلك الملائكة هي الكد والفقر والجد والإخلاص.
وهذا فصل من رواية كلارندون ينعت فيه المؤلف أجمل مثال من العيشة المنزلية أسرده هما لما فيه من عظة وعبرة وهو ولما كان منزل الرجل على مسيرة ساعة من أكسفورد أصبح صاحباً وعشير العلماء هذه الجامعة وأدبائها وذلك أن هؤلاء وجدوا عنده من احتفال البديهة وشدة العارضة وذرابة اللسان وخلابة البيان وسعة الاطلاع وغزارة العلم لا يسألونه عن فن إلا حسبوه أنه لم يتقن غيره:
إلى أى ما فيه عمدت حسبته ... هو الغرض المقصود فيه الميمم
مع فرط حياء وشدة تواضع كأنه بكل شيء جاهل ما أغراهم به فصاروا يختلفون إليه فيحدقون به إحداق الحلقة بالأستاذ وظل بيته لهم مدراساً صغيراً كبيراً. قليلاً كثيراً يغشونه للدرس لا للراحة وليصفوا بالبحث ويهذبوا بالفحص تلك المسائل التي أبقاها الكل والمجاراة أغلاطاً شائعة.
أنا لا أقدس الرجل الذي جل أمله أن ينال منزلة في البرلمان أو في الجيش ولا الذي أكبر أمنيته أن يكون ذاك الخطيب المصقع أو ذلك الشاعر الفحل إنما أقدس الذي يرمي إلى أن