الحب والزواج (وهى أفضل من غيرها) وعند الرجل الجامعة التي خرجته مثلاً أو حرفته بعد ذلك أو استقراره في بعض المدن أو رحلته إلى بعض مدائن المشرق أو المغرب أو غير ذلك من تافهة مجسمة وحقيرة معظمة يعدها قطب حياته ومحورها وكل أمر يقع له بعد ذلك وكل حادث يحدث فلا يكون عنده ذا قيمة إلا إذا كان له نسبة وصلة بذلك القطب والمحور الذي يصبح تدور حوله جميع أفكار الرجل وأحاديثه حتى يهلك. ومن ثم ترانا نقطن في كل إنسان لي خصيصة تميز أسلوب فكره وحديثه ونعرف الموضوعين أو الثلاثة التي تشغل جميع لبه وذهنه لا يكاد يعني بشيء غيرها ثم لا يزال في كل حديث له يذكرها فإذا طرأ موضوع جديد تنبأنا برأيه فيه وتوقعنا ما سوف يقول عنه. وهذه حالة عامة ونقص شامل يستوي فيه العالم والجاهل والعاجز والبارع. وخريج الجوامع وخريج الشوارع فلقد شهدت في حفلات أعياداً الجامعات الرجل العالم الأديب الذي قد ترك الجامعة منذ العشر السنين أو العشرين قد عاد إليها عين ذلك الصبي الذي تركها لم يزد الله في عقله مثقال ذرة تضحكه عين تلك الأمازيح الباردة وتعجبه نفس هاتيك الحقائر التافهة.
وكل ما يرى له من تلك الرجولة وذاك المنصب إنما هو زخرف باطل وطلاء مموه إذا امتحنته تكشف لك عن ذاك الصبي القديم هو هو بعينه. كأني والله بنا لن نكون مدنيين قط بل نبقى ما شاء الله قرويين نرى أن كل شيء بقريتنا الحقيرة خير مما يماثله بكل بقعة أخري والمفاخرة تختلف ولكن كل مفخرة هي في نفس صاحبها وقود لنار من الغرور لا تخبو. فمفخرة هذا أنه ركب البحر ومفخرة ذاك أن لاقى المصاعب في دخول الجامعة ومزهاة الآخرا. سافر إلى جزر الهند الشرقية وخامس يفخر بأنه خرج من الماسونية. وسادس يفخر بأكلته وشربته، وسابع بحلته وحليته. إنما هي حياة لعب وزخارف وعيشة خدع وسخائف. والإنسان بينها يولد طفلاً ويعيش طفلاً ويموت طفلاً.
ما أبعد البون والخلاف بين ما نرى من الناس وبين ما يجب أن يكون الناس. نري أناساً سراعاً إلى الغرض الحقير خفافاً إلى الغرض اليسير كأنما يساقون فى طريق الحياة ضرباً بالسياط ونخساً بأطراف الإبر. قوماً معجلين لهني قد غضن إلهم وجوههم وخدد العناء لحومهم وغل الحرص أعنانهم يخيل إلى أنهم أفراس تعدو سراعاً على متونها فرسان لا تراها الأعين. أين السكينة والهدوء والطمأنينة؟ لقلما نبصر هذه المكارم. لقلما نبصر من