إني أغمض عين ثم أفتحها ... على كثير ولكن لا أري رجلاً
ليس بيننا أبراراً متقون. ولا أرى الناس إلى البر والتقى يهرعون. وترانا مع ذلك نعتقد بوجود البر والأبرار والتقى والأتقياء بوجود الحياة الطاهرة والعيشة المقدسة على أنا لم نرها إلا قياساً ولم نجدها إلا إحساساً. والحقيقة أنه ما كانت الطبيعة لتعمل كل هذه الوسائل الجمة العظيمة. وتبذل كل هذه القوي الجسيمة. لتحصل على مثل هذه الثمرة القليلة والنتيجة الخسيسة. بل إن آمال الناس وطماحها نحو الجمال والفضيلة أجل ومالا نبرح نراه في خلال حركات الناس وفي أسارير وجوههم من لمحات الجمال والجلال والطهارة تكاد تمهد السبيل إلى حياة أرقى.
لكل فرد من الناس جماله الخاص ولكل نفس حلاها. وإن أحدنا ليشهد المحافل والسوامر فتروعه ثروة الطبيعة البشرية وغنى النفس الآدمية عندما تلتقي في خرت أذنه نغمات الأفراد ضروباً وأشكالاً لكل منها موسيقي خاص مميز. ويجتمع في مرآة نفسه أخلاق الأفراد صنوفاً وألواناً لكل منها فتنة خاصة مميزة ويري وجوهاً غريبة ذات معان غريبة. فيجد أن الطبيعة قد وضعت لكل من أبنائها قواعد بناء مقدس لو أنه شاد عليها فأعلى. وليس من صورة آدمية إلا وهي كفؤ أن تكون موطناً لعقل رجيح. أو خلق سجيح ومسبكنا لفطنة ذاكية. أو روح سامية.
وكما أن محاسن الطبيعة وملامح الحق والجمال في الإنسان تنبهنا للسمو إلى حياة أصدق وأرقي. ومنزل أطهر وأنقى. - منزل يضارع جلاله روعة السكون وبهجة الدنيا - فإن فيما لم نزال نجده في نفوسنا من الميل إلى مصادقة الأخيار وصحبة الأبرار. حاد آخر يحدونا إلى تلك الحياة السامية. لله ما أسعد الدار التي تبني فيها المودات والصداقات على أساس من الأخلاق وقاعدة من الآداب ما أسعد الدار التي تزوج فيها الروح بالروح والقلب بالقلب وتقترن فيها الطباع والشيم لا التي تكون متلقى القلوب المتنافرة. والنفوس المتناكرة وخليط مشوش من متناقضات أفكار وآراء وعقائد. ومتضاربات أخلاق وأحوال وعوائد. في مثل هذه يكون الزواج نعمة جلي. ولذة كبري. إذ يصبح كل من الزوجين مرآة أخيه. يصلحه ويرنيه. ومصباحه يرشده ويهديه وكنزه يمده ويغنيه. وعماده يؤيده ويعليه. ومجنه