إذا جري الحديث أصبح للاثنين الآخرين مثل أهمية الأول فالثلاثة كلهم سواء. فلنفرض أن جون الحقيقي كبير السن قبيح الخلقة بليد الذهن. ولكن بما أن الحكمة الإلهية لم تمنح ابن آدم مزية النظر إلى نفسه بعين الحقيقة فأكبر الظن أن جوناً يرى نفسه حديث السنّ جميل الخلقة حديد الذهن ثم يتكلم كمن هذا شأنه وهذه مزاياه. وتري توماساً من وجهة أخرى يعتقد أن جوناً ماكر محتال فجون في نظر توماس محتال ماكر ولا شك مع أنه ساذج غبيّ. ومثل هذا جمعيه يقال في توماس. فمن ثم ينتج أنه سيكون بين كل متحادثين ستة يتنازعون المحاورة إلى أن نجد الرجل الذي يعرف نفسه كما خلقها الله أو يبصرها بالعين التي يبصرها بها الغير. هذا ولا تنس أن أقل الثلاثة أهمية هو ذاك الذي سميناه الشخص الحقيقي. فلا عجب أن تري المتناظرين يتغاضبان ويتشاجران بعد أن علمت أن المشتركين في الحديث ستة.
وكان بجانبي فتى يدعى جون فطبق هذه النظرية على نفسه تطبيقاً غير فلسفي وذلك أنه أدير عقب الأكل على الجماعة وعاء فيه خوخ - فاكهة نادرة قلما يعرفها أمثالنا نحن سكان الفنادق - فلما بلغ الوعاء جوناً هذا ولم يبق فيه إلا ثلاث خوخات واحدة له واثنتان للاثنين الباقين من إخواننا وكان جون أمياً لا يفهم الفلسفة أخذ الثلاثة لنفسه قائلاً أنه سيعطي كل جزء من أجزائه الثلاثة واحدة. فطفقت أبين له أن هذا الاستنتاج العملي خطأ وسفسطة ولكن الخوخات الثلاثة ذهبت أثناء الشرح والتفسير في بطنه واحدة أثر أخري.
(٢)
نظرية بسيكولوجية
حاسة الشم أقرب طريق يوصل الإدراك إلى دائرة الذكرى والخيال والإحساسات الغابرة والقرائن القديمة.
ولا شك أن الروائح التي تعمل في مشاعرنا تختلف باختلاف الأشخاص فما يؤثر في هذا لا يؤثر في ذاك. إنما ذلك بحسب ما كان من ظروف أحوال الشخص وتاريخه الخاص. وسأخبرك ببعض الروائح التي تؤثر فيّ والسبب في ذلك منها رائحة الفوسفور. وأصل ذلك أني أولعت بعلم الكيمياء عامين من زمن صباي جعلت أثناءهما لا أسمع بمعمل كيمياء إلا ذهبت إليه فكنت معظم أوقاتي بين الأدوية والعقاقير والقناني والأنابيب واتفق أني كنت