للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذا الوقت عاشقاً أيضاً فكانت عاقبة ذلك أن حدث اشتباه واختلاط بين عوامل الكيمياء وعوامل الحب بين أبخرة حمض الآزوت البرتقالية اللون وبين أحلام الغرام وهي أزهي لوناً وأبهى صبغة: بين ورق عباد الشمس الأحمر وبين حمر الخدود وآسفاه لقد رثت ديباجة تلك الخدود ونصلت صبغتها وغاض ماؤها وذهبت نضرتها. ومهما يكن من قدرة الكيمياء على تجديد الخلق وتنضير الذليل فلا طاقة بها على تجديد رونق هذه الخدود وقسمتها! أقول حدث التباس واشتباه بين عوامل الكيمياء وعوامل الحب فامتزجا في وعاء الذهن واختلطا واصطحبا في إناء الذاكرة واقترنا فكلما ضربت أنفي رائحة الفوسفور (وكانت أحدّ روائح ذلك العصر الكيماوي الغرامي) أشعلت في الدماغ سلسة هذه القرائن للتو واللحظة وأوقدت في صميم الأحشاء ذكرى الغرام والجوي حتى أروح منها في غشية وفي حلم وكأنما طلع على ذاك البخار بضبابتين ضبابته المشرقة البرتقالية وضبابة الحب القديم والعهود الذهبية. فللفوسفور بذلك على اليد البيضاء كلما أشعلت عوداً من الكبريت فالتهب فوسفوره وأضاء التهب قلبي شغفاً وأضاء في سويدائه ظلام الغابر وحسبت عود الكبريت زهرة من بساتين الحب أو كوكباً يضيء لي منهج الهوى. كل الكبريت عندي كذلك إلا النوع المسمى كبريت فينا ذلك الخالي من الفوسفور لا رعاه الله ولا قدسه فإنه لا يذكرني عهداً ولا يهيج لي صدى. وإني أراني منذ استعملته غليظ الكبد كثيف الظل مظلم الهواء جامد النسيم.

ومن الروائح المؤثرة في نفسي أيضاً البهار وأصل ذلك أنى لما كنت طفلاً صغير الجرم كان أبى إذا ركب في بعض أسفاره حملني بين ركبتيه فكنا ربما عبرنا قنطرة إلى القرية المجاورة فعجنا على كوخ متطامن السقف حقير الهيئة لريفيّ مسكين شاحب اللون ملوّح فتخرج من الكوخ الحقير أخت له مثله مسكنة وشحوب لون وتلويح. لها فوق ذلك صوت حزين ونغمة شجية فتحنو على شجيرات لها فتلقى صفرة البهار بصفرة وجهها فتجنى بهارة للغلام الصغير هكذا كانت تسميني. وهي الآن ثاوية بمدفن الكنيسة تحت نصب من حجر الإردواز تعلوه أعشاب قد أمالته العصور بعد تطاول الأمد فجنح. وقد ذهبت هذه الأيام وذهب الكوخ وربه وذهبت الأخت المسكينة وشجيرات لها.

فيها شموس للبهار وارسة