للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فوصلوا إلى صقلية فنزل أيوب والعسكر المدينة ونزل عليٌّ جرجنت ثم انتقل أيوب إلى جرجنت وأقام فيها فأحبه أهلها فحسده ابن الحواس فكتب إليهم ليخرجوه فلم يفعلوا فسار إليه في عسكره وقاتله فشد أهل جرجنت من أيوب وقاتلوا معه فبينما ابن الحواس يقاتل أتاه سهم غرب فقتله فملك العسكر عليهم أيوب ثم وقع بعد ذلك بين أهل المدينة وبين عبيد تميم فتنة أدت إلى القتال ثم زاد الشر بينهم فاجتمع أيوب وعليٌّ أخوه ورجعا في الأسطول إلى أفريقية سنة أحدى وستين وصحبهم جماعة من أعيان صقلية والأسطولية ولم يبق للفرنج ممانع فاستولوا على الجزيرة ولم يثبت بين أيديهم غير قصريانة وجرجنت فحصرهما الفرنج وضيقوا على المسلمين بهما فضاق الأمر على أهلها حتى أكاوا الميتة ولم يبق عندهم ما يأكلونه فأما أهل جرجنت فسلموها إلى الفرنج وبقيت قصريانة بعدها ثلاث سنين فلما اشتد الأمر عليهم أذعنوا إلى التسليم فتسلمها الفرنج سنة أربع وثمانين وأربعمائة وملك رجار جميع الجزيرة وأسكنها الروم والفرنج مع المسلمين ولم يترك لأحد من أهلها حماماً ولا دكاناً ولا طاحونا ومات رجار بعد ذلك قبل التسعين والأربعمائة وملك بعده ولده رجار فسلك طريق ملوك المسلمين من الجنائب والحجاب والسلاحية والجاندارية وغير ذلك وخالف عادة الفرنج فإنهم لا يعرفون شيئاً منه وجعل له ديوان المظالم ترفع إليه شكوى المظلومين فينصفهم ولو من ولده وأكرم المسلمين وقربهم ومنه عنهم الفرنج فأحبوه انتهى (وهذا روجر النور مندى هو الذي ألف له الشريف الإدريسي كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق أو في أخبار الآفاق)

وإذ علمت هذا تعلم أن ابن حمد يس إنما رحل من صقلية بعد أن تملك معظمها رجار النورمندي وكان وقت اغترابه عن بلده في سن الحداثة فإنه كان حوالي الخامسة والعشرين فلا جرم بعد ذلك إنا نسمع من الشاعر الشاب هذه الأبيات المبكية من قصيدة يتشوق بها صقلية:

ذكرت صقلية والهوى ... يجدد للنفس تذكارها

فإن كنت أخرجت من جنة ... فإني أحدث أخبارها

ولولا ملوحة ماء البكاء ... حسبت دموعي أنهارها

نعم فالاستهتار بالوطن والحنين إليه أمر فطري وخلق كريم ينم عن كرم أصل ولطف في