للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الروضة العذراء، وكأنما ألفاظهم فهرس للمعاني التي في نفوسهم تشير إليها إشارة البنان، وكأن قائلهم لجلاج تحتشد في خاطره المعاني فيجيل بها لسانه في شدقه ثم يخرجها مزدحمة بعضها في إثر بعض وقد تخرج متصادمة وبينها وقفات يشقي بها صبره.

وتعجبني كلمة لصديق لي في وصف الميوز العربية قال:

الفرق بين عروس الشعر الإفرنجية وعجوز الشعر العربية أن الأولى تسكن السماء والثانية لا تألف إلا الرسوم المحيلة، والأطلال البوالي، ولا تغشى إلا الأربع الأدراس، فإذا أراد الشاعر أن يستمد منها الوحي ركب إليها ظهور الإبل ومتون النياق، حتى إذا أنثني عنها شغله وصف ما رأى في طريقه إليها من النجوم وكيف كان اهتداؤه بها، وما هب عليه من الرياح، وأومض من البروق خلبها وصادقها، وأظله من السحاب جهامها وماطرها، وكيف أذكره القمر وجه حبيبته المتألق، وجفلة السرب في الظلام نفرتها ليلة السفح، ثم لا يزال يذكره الأمرُ الأمرَ، ويفضي بك من حديث إلى حديث حتى ينسى ما أوحي إليه من بنات الشعر فيجتزئ بما قال!.

وهذا القول صحيح لا يدفعه أن قائله رمى به إلى الدُّعابة والمزح، فرب هزل ترجم عن جدّ، والناظر في شعر العرب يجد أن الشعراء جمعاً قد ساروا في طريق واحد، وأن المتأخر منهم يقلد المتقدم ويجري على منهاجه وأن أكثر الفرق أنما هو في اللفظ والأسلوب لا في الأغراض وحسبك ذلك دليلاً على ضيق الروح والحظيرة والعجز عن التصرف في جميع فنون الشعر.

لسنا نحاول الزراية على العرب أو الغض من شعرهم وإنما نريد أن نقول أن الشعر العربي لم يجاوز حد الطفولة، ولو أن الله فسح في البقاء للدولة العربية، وزادها نفساً في أجلها وسعة - ولكنه لم يشأ، وأن أحدنا ليقرأ آثار الغرب فيملك قلبه ما تبين فيها من سمات الصدق والإخلاص، ومخايل النبل والشرف، ويستشفه من دلائل الحياة والإحساس بالجمل وحبهما وعبادتهما في جميع مظاهرهما، ويتوسمه من ذكاء المشاعر، ويقظة الفؤاد، وصدق النظر، وصفاء السريرة، وعلو النفس، وتناسبها وتجاوبها مع ما يكتنفها من مظاهر الطبيعة.

هذه حقيقة لا موضع فيها للشبهة وما ينكر أنّ الشعوب الآرية أفطن لمفاتن الطبيعة وجلالة