للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النفس الإنسانية وجمال الحق والفضيلة إلا كل مكابر ضعيف البصيرة أو رجل أعمته العصبية الباطلة عن إدراك ذلك - نقول العصبية الباطلة لأن الحق غاية الوجود، وكلنا سواء في التماسه، فأيما رجل فاز منه بنصيب فهذا السعيد الموفق، وإلا فهو معذور ومشكور، وليس يغض من أحد أنه انصرف عن هذه الدنيا غير منجح.

وأنت إذا تأملت شعراء العرب وكتابهم وكبار رجالهم، لتعرف منازلهم من العظمة ومواقعهم من العبقرية، وجدت أولاهم بذلك وأولهم هنا لك، وأسبقهم في استيجاب التعظيم، واستحقاق التقديم، قوم ينتهي نسبهم إلى غير العرب من مثل بشار بن برد ومروان بن أبي حفصة، وأبي نواس، وابن الرومي، ومهيار، وابن المقفع، وابن العميد، والخوارزمي، وبديع الزمان، وأبي إسحاق الصابئ، وأبي الفرج الأصفهاني، وأبي حنيفة النعمان، وغيرهم ممن لا ضرورة إلى حصرهم،. . . وأنت فقد تعلم أنّ للوراثة أثراً لا ينبغي أن يستهان به في تركيب الجسم والعقل، فليس بمستغرب أن يرث مثل أبن الرومي وهو آري الأصل كثيراً من شمائل قومه وصفاتهم، وأن يكون في شعره أشبه بهم منه للعرب، وحسب القارئ أن يقارن بين قصيدة لأبن الرومي وأخرى لغيره من صميم شعراء العرب في أي باب من أبواب المعاني ليعلم الفرق بين المنزعين وكيف أن ابن الرومي أقرب إلى شعراء الغرب وبهم أشكل، وكيف أنه يطلق للقلم العنان فلا يوقفه إلا حيث يقف الخيال، وكيف أنه ربما تناول الغرض فاندرجت تحته أغراض أخرى كالسيل المتحدر فيه من كل أرض غشيها أثر، إلى أخر مزاياه وخصائصه التي سيمر بك الكلام عليها تفصيلاً.

ولد علي بن العباس بن جريح وقيل جرجيوس الشاعر المعروف بابن الرومي بمدينة بغداد يوم الأربعاء بعد طلوع الفجر لليلتين خلتا من رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين في الموضع المعروف بالعقيقة ودرب الختلية في دار بازاء قصر عيسى بن جعفر بن المنصور من نسل العباس بن عبد المطلب.

هذا جل ما ذكره المؤرخون من ترجمة (المبسوطة) في ما وصلت إليه أيدينا من الكتب، وليتنا جهلنا ذلك وأحطنا بغيره مما طووه عنا ودفنوه في زوايا الغيب، وليت شعري أي نفع لنا من علمنا أنه ولد بعد طلوع الفجر أو قبله ولليلتين خلتا من رجب أو بقيتا منه وبالعقيقة أو بغيرها من المواضع التي طمست أشراطها، وعفت رسومها، وأنه كان مولى