للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بقطع محددة من البرد كأنما وخزها وخز الإبر بل كانت تنفذ من بين فتحات أثوابنا. على أننا وجدنا في المسير فوق ذلك الجليد الصغير راحة وسروراً. وما همنا شأن ذلك البرد بل حسبناه معاكسة بسيطة ومزاحاً من القدر وخيمنا عند نقطة نانس. وما سميت هذه أيضاً بهذا الاسم إلا لإبقاء ذكرى نقطة شمالية سحيقة انتهى إليها الرحالة نانس فبعد نوم هنيء انطلقنا إلى مرحلة أخرى وهنا بدأنا نشعر بتأثير الرياح الشديدة الهوج وقد سمعنا ونحن نهدم خيامنا صوت الثلج المتكسر وانكسر عن كثب منا ركام من الجليد فانفتحت هناك فوهة كبرى فلم نجد مندوحة من اجتيازها في قوارب صغيرة كانت لدينا.

فلما ارتحلنا للمرحلة الثانية اكتشفنا آثاراً جديدة هي ولا ريب آثار الحيوان الذي أنقذناه في سفرنا إلى القطب ولاقينا في الطريق فوهة تبلغ نحواً من ميل.

وانحدرنا من جانب القطب نمشي الهوينا إلى مرحلة أخرى.

وقد وصلنا في السابع عشر من شهر ابريل المخيم الحادي عشر على مسافة مائة وواحد وعشرين ميلاً من رأس كولومبية ومررنا بأخاديد من الثلج كثيرة كنا نقضي ست عشرة ساعة متوالية في المسير إذا استحال علينا أن نتبين آثار أقدامنا الدارسة.

ولما طلع علينا يوم الأحد الثامن عشر من شهر ابريل سرنا ست عشرة ساعة أخرى وهبت في بدئها ريح رخاء لينة وانتهت ببرد يلفح وجوهنا شديد الأذى وابتلت أثوابي من العرق وامتد بنا المسير حتى ذر قرن الشمس فأشرقت في عين حمئة وهبت الريح من تلقاء الجنوب الغربي فتألمت من آثرهما ولفحت الشمس وجهي ولكنني تسليت عنا بالتفكير وجعلت أعلل نفسي عن الألم بأننا أصبحنا على مسافة لا تزيد عن مائة ميل من الأرض.

وحاولت نسيان ألم الحمى الموجع من تأثير الشمس والهواء بتسريح النظر في تلك الغيوم الأرضية التي كنا نتبينها ونحن في خيمتنا فلما كان الغدر رأينا الأرض رأي العين ومات ثلاثة من كلابنا وأما الأخرى فبدت عليها علائم الموت.

وأما المدة التي بين ١٨ ابريل والاثنين (١٩ ابريل) فقد استمر الهواء جميلاً واستطعنا أن تلمح الأرض البراح ووصلنا في سحر اليوم التاسع عشر الساعة الثالثة إلى المراكز التي وضعها الرحالتان مكملان وجود سل في عودتهما وقد قطعنا ثلاث مراحل في خمس عشرة ساعة ونصف وفي اليوم التالي طوينا مرحلة مضاعفة وانطلقنا لدى الأصيل فوصلنا لمخيم