للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا جرم أنها تشبه من وجوه كثيرة ما كان ينبعث في العصور الوسطى من فرنسيس أُف أسبي من جمال الإحسان والخدمة العامة والنور. فها كم اليوم شيئاً من ذلك التأليف القريب بين الصفات الإلهية والخضوع الإنساني العظيم والقيام على الخدمة. فعباس أفندي ينهج في طليعة أتباعه طريقة تسمى عند بعض الناس طريقة الصوفية لكنهم أنّى ذهبوا يسيرون على طرق عملية، وإليكم مثلاً منها.

أن هذا المعلم لا يدعو إلى الرهبنة بل يأمر أتباعه أن يتعلم كلٌّ حرفة كما كان بولص يصنع الخبز ويحضهم على النظافة والصناعة والاقتصاد فآمالهم تسمو إلى ما في السماء وعقولهم لا تلهو عما في الأرض. وإننا نجتزئ بقول من أقوال حضرة عباس أفندي نفسه في أغراض البهائيين.

لا تسمحوا لأنفسكم أن تنم بكلمة على أحد ولو كان عدواً لكم ولتسكتوا من ينم لكم على عيوب غيركم، ولتتحلوا بالصدق والوقار، ولتملؤا صدوركم بالآمال. كونوا مرهماً لكل جرح، وماءً عذباً لكل ظامئ ومائدة سماوية لكل جوعان، ومرشداً لكل باحث، وغيثاً لكل حارث، ونجماً في كل أفق، ونوراً لكل مشكاة، ومبشراً لكل نفس مشتاقة إلى ملكوت الله.

هذا مبدأ من مبادئ البهائية السامية فلا تطرف في الزهد ولا تعذيب للنفس أملاً في أوهام التنعم في الآخرة بل حال سرور ورياضة للنفس على الخدمة والمساعدة والتضحية وآخر دعوى البهائيين قولهم، اللهم ارحمني من نفسي.

السياحة الروحية

أما الطريقة الصوفية فيجب الأخذ بها وهذا يفسر بالسياحة في الأودية السبعة التي شرحها وفسرها المستر همند وهذا العدد الرمزي عام. فكما أننا نصعد مع دانتي درجات الطهارة السبع ونخلف في كل درجة إحدى خطايانا المميتة فأننا كما يرشدنا بهاء الله في كتاباته نمر في سير ترقينا بالأودية السبع التي أولها وادي البحث يركب فيه السائح مطية الصبر باحثاً عن الله جل شأنه فيجب أن ينشده في كل مكان حتى في التراب فهو في كل شيء. ثم يصل إلى وادي الحب ومطيته التضحية فيلزمنا أن نتناسى أنفسنا ونطرحها ظهرياً. فالحب الأناني لا يعد حباً وهكذا نستمر فوق تلال هذا الوادي المفرقة حتى نبلغ وادي المعرفة الإلهية فنخرج من الشك إلى اليقين، من تيه الآمال الدنيوية إلى الحكمة الربانية. فهذه