للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يعشق الطبيعة إلا من عرفها وألم بأسرارها ومن تعمق في دراسة صنع الله وأنعم النظر للوقوف على أسرار خلقه كان أقرب إلى الله.

ولذلك كان العلم ضرباً من ضروب التعبد والتسبيح ولكن ليس ذلك العلم الذي يسعى في إذلال الطبيعة لخدمة الإنسان بل العلم الذي نتطلبه حباً في العلم وتوقداً للذهن وإطفاء لظمئنا إلى الحقيقة واليقين فهذا أجل العبادات وأطهرها. أليس الله كما يعتقد المؤمنون هو الحكمة الخالصة واليقين المطلق وإذا كان الأمر كذلك فهل يوجد أنقى من صلاة يتزلف فيها المرء إلى ربه بنور الحقيقة وضياء اليقين. وما أحسن ما قاله مالبراتس في ذلك من يعرف الحقيقة يرى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتجلى لنا في النتائج ويظهر في البديهيات هو نور ذكائنا وشعاع عقولنا.

ليست الصلاة مقصورة على التأمل والنجوى وتسريح الظن في صنع الله بل تشمل الاستغاثة والاستعانة به سبحانه وتعالى فإن الله كعبة المؤمن ومحط آماله ورحاله ومصدر الخير ومنبع الاحسان ولكن ماذا يجمل بنا طلبه منه عز وجل؟ هل نبتهل إليه ليرفع عنا البلاء ويعافينا من الأمراض والأسقام ويسدد مساعينا وينجح مقاصدنا ويسبغ علينا من نعائمه وينزل علينا الغيث ويسخر لنا الشمس لحرث الأرض وإنبات الزرع؟ ألا أنه لا يحسن بالمؤمن أن يتضرع إلى ربه ليؤثره بخبراته فإن طلباً كهذا أساسه الأثرة وحب الذات والأثرة قارورة الشر ومن الجنون والحمق أن ندعوا الله إلى خرق ناموس الطبيعة وتغيير نظام الكون وقد جاء في انجيل متى أن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه بدون أن تسألوه إياه. وإنما الذي يحسن بنا أن نطلبه من الله أن يهدينا السبيل ويرشدنا إلى الخير ويوفقنا إلى الإحسان ويهبنا القوة والشجاعة في أداء واجبنا فإن هذا لا يستلزم إظهار المعجزات ولا يدعو سبحانه وتعالى إلى خرق نظامه ولأن صلاة كهذه تقوي فينا العاطفة الأدبية وتقتلع من أفئدتنا أصول الشر وتحملنا على بذل الخير وعمل الإحسان. وخليق بالصلاة أن تعد من ضمن ما علينا من الواجبات لأنفسنا لا من حقوق الله علينا فأن الله قائم بذاته غني عن العالم غير مفتقر إلى أحد لا تؤثر عليه أفعالنا لا في قدرته وإرادته ولا في جلاله وكبريائه تعالى عن النقائص وتنزه عن الفقر لا تعوزه صلاتنا وإنما نحن الذين تعوزنا الصلاة إليه فإن في الصلاة وصعود الفكر وتوجيه القلب إليه تزكية للنفوس وتطهيراً