للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليك ذاك فلا آمن عليك لصين أحدهما الكرم واسم الآخر القرم فإياك وإياهما أن الكرم أسرع في المال من السوس وإن القرم أشأم من البسوس ودعني من قولهم إن الله كريم أنها خدعة الصبي عن اللبن بلى أن الله لكريم ولكن كرم الله يزيدنا ولا ينقصه وينفعنا ولا يضره ومن كانت هذه حاله فلتكرم خصاله

فأما كرم لا يزيدك حتى ينقصني ولا يريشك حتى يبريني فخذلان لا أقول عبقري ولكن بقري إنما التجارة تنبط الماء من الحجارة وبين الأكلة والأكلة ريح البحر بيد أن لا خطر والصين غير أن لا سفر أفتتركه وهو معرض ثم تطلبه وهو معوز أنه المال عافاك الله فلا تنفقن إلا من الربح وعليك بالخبز بالملح ولك في الخل والبصل رخصة مالم تذمهما ولم تجمع بينهما واللحم وما أراك تأكله والحلو طعام من لا يبالي على أي جنبيه يقع والوجبات عيش الصالحين والأكل على الجوع واقية الفوت وعلى الشبع داعية الموت ثم كن مع الناس كلاعب الشطرنج خذ كل ما معهم واحفظ كل مامعك يا بني قد أسمعت وأبلغت فإن قبلت فالله حسبك وإن أبيت فالله حسيبك.

فضل التجارة وذم عمل السلطان الوظائف

(من فصل للجاحظ)

وهذا الكلام (ذم التجارة) لا يزال ينجم من حشوية اتباع السلطان فأما عليتهم ومصاصهم وذوو البصائر والتمييز منهم ومن فوقته الفطنة وأرهفه التأديب وأرهقه طول الفكر وجرى فيه الحياء وأحكمته التجاريب فعرف العواقب وأحكم التفصيل فإنهم يعترفون بفضيلة التجار ويتمنون حالهم ويحكمون لهم بسلامة الدين وطيب الطعمة ويعلمون أنهم أودع الناس بدنا وأهناهم عيشاً وآمنهم سرباً لأنهم في أفنيتهم كالملوك على أسرتهم يرغب إليهم أهل الحاجات وينزع إليهم ملتمسوا البياعات لا تلحقهم الذلة في مكاسبهم ولا يستعبدهم الضرع لمعاملاتهم وليس هكذا من لابس السلطان بنفسه وقاربه بخدمته فإن أولئك لباسهم الذلة وشعارهم الملق وقلوبهم ممن هم لهم خول مملوءة قد لبسها الرعب وألفها الذل وصحبها ترقب الاحتياج فهم مع هذا في تكدير وتنغيص خوفاً من سطوة الرئيس وتنكيل الصاحب وتغيير الدول واعتراض حلول المحن فإن هي حلت بهم وكثيراً ما تحل فناهيك بهم مرحومين يرق لهم الأعداء فضلا من الأولياء فكيف لا يميز بين بين من هذا ثمرة اختياره.