للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم ... إلا عقائلها المحجوبة الأنسا

وفي بلنسية منها وقرطبة ... ما ينسف النفس أو يستنزف النفسا

مدائن حلّها الإشراك مبتسماً ... جذلان وارتحل الأيمان مبتئسا

فمن دساكر كانت دونها حرسا ... ومن كنائس كانت قبلها كنسا

لهفي عليها إلى استرجاع فائتها ... مدارس للمثاني أصبحت دُرُسا

تلكم مصيبة كانت أعظم درس وأكبر عبرة، ولكن عميت بصائر القوم، فنسوا أسبابها، وراحوا على تخاذلهم وتنافروا وتنازعهم حتى دالت دول الإسلام إثر بعضها، فَدُر بعينك وقل أين بعدُ سلطان قرطبة وسلطان مراكش، وأين أمارة الجزائر، وأين تونس، وأين لا أين، زال الكل ولم تبق إلا أسماء مملكة في غير موضعها، ولولا أن اختار لهذه الأمم الإسلامية جماعة من الأغوار المساعير، فوقفوا بشطلجة وقفة مشهودة، لازدحمت دار الخلافة بخيل البلغار ورَجلهم، ولوطئوا مسجد أيا صوفيا بنعالهم، وتوجوا فردينند ملكهم بالتاج القسطنطيني كما كان وكانوا بذلك يحلمون، هذا وجماعة من الأمة منقسمون على اخوانهم يتمنون فوز العدو ونصرته، ولو كان في الخطب الأعم، كما كان بالأمس ملوك الطوائف ورؤساء العشائر بالأندلس كل يريد الملك لنفسه والسيطرة على الآخرين، فما كان في ذلك إلا هلكهم جميعاً، فما أشبه الليلة بالبارحة!!

ذاك وأنا نجتزئ بهذه الكلمة عن الإفاضة والاسترسال مع نفس تنفث ألماً.

وتسيل أسى. وتنقطع حسرة. وذكرى تجيش بالصدر. لغلطات ساسة كان في استطاعتهم أن يتلافوا هذا الاتحاد البلقاني الذي كادت ريحه تعصف بالدولة والخلافة. وكثيراً ما مدت أحدى دول هذا الاتحاد يدها طالبة إليهم الاتفاق على المسألة الكريدية مع حفظ الكرامة العثمانية وإبلاغ سكتهم الحديدية إلى سلانيك فما أصيخ لها ولا استمع. فحدث ما حدث وتعجل القوم خوض غمار حرب غشوم. على حين أن أولياء الأمور إذ ذاك سر حوا مائة وخمسين ألف جندي نظامي مستجمعين كل شرائط النصر وما النصر إلا من عند الله.

ونحن نقول أن ما وقع كان عاقبة تلكم الغلطات الفاضحة. وأي غلطات هناك بعد سياسة ولدت الاتحاد البلقاني ذلكم الاتحاد المدهش الذي لم يقع في حسبان أحد ما. حتى أن السلطان المخلوع لما انتهى إليه نبأ هزيمة الجيش العثماني أمام اليونان عند مفارقته قصر