فإن كان يرجع إلى بخس في العدد كالسرقة من الصراف من العدد أو من الوزن، ثم تبين للقابض النقصان بعد الفراق، فرضي بما قضى وتجاوز عما بقي، فهل يصح العقد أو يبطل؟
فالمذهب على ثلاثة أقوال كلها قائمة من "المدونة":
أحدها: أن العقد جائز ولا يفسخ -كان ذلك قليلًا أو كثيرًا-، وهو قول أشهب في الموازية:"ثم إذا افترقا على التصديق ثم وجد زائفًا أو نقصًا ثم ترك الفضل من له الفضل: فذلك جائز"، وقال مالك في "العتبية" و"الموازية": "ومن وجد نقصًا في الصرف فتجاوزه فذلك له"، وهو ظاهر قوله في كتاب السلم" فيما إذا وجد درهمًا رصاصًا في رأس مال السلم بعد شهر فرضيه، حيث قال: "السلم جائز، ودرهم الرصاص كالعدم"، وكذلك قوله في كتاب الصرف: "إذا وجد زائفًا أنه له الرضا به فهذا قد وجد أقل العدد الذي دخل عليه فثبت السلم بينهما بقوله إياه".
والقول الثاني: أنه لا يجوز له الرضا به جملة سواد كان ذلك يسيرًا أو كثيرًا، وهو قول مالك أيضًا، لافتراقهما قبل التقابض، وهو ظاهر قوله في "المدونة".
والثالث: التفصيل بين اليسير والكثير، وهو قول مالك أيضًا.
والأقوال الثلاثة كلها لمالك في "العتبية" و"كتاب محمَّد". واختلف في حد اليسير على قولين:
أحدهما: كالدانق من الدينار، وهو قول مالك، ونصف الدرهم -عنده- من الدينار كثير.
والثاني: مثل الدرهم من الألف، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم.