فأمَّا ماهيته فهو أن يجعل الرجل للرجل جعلًا على عمل يعمله له إن أكمل العمل كان له جعله، وإن لم يكمله لم يكن له شيء وذهب عناؤه باطلًا، فهذا قد أجازه مالك وأصحابه فيما لا منفعة فيه للجاعل إلا بتمام العمل، وهو في القياس عذرًا إلا أن الشرع ورد بجوازه على ما أحكمته الشريعة كتابًا وسنة، وكان موجودًا في معاملات الناس جاهلية وإسلامًا؛ فأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - على فعله، ولم يتعرض لإبطاله مع علمه بذلك؛ إذ لا فرق بين ما يبتدأ في إجارته شرعًا وبين ما يقر على إجارته.
وأيضًا فإن الضرورة تدعو إلى ذلك أشد مما تدعو إلى القراض والمساقاة، والضرورة مستثناة من الأصول، وقد مضى عمل المسلمين على ذلك في سائر الأمصار على قديم الأوقات والأعصار.
ومن شروط صحته أن يكون الجعل معلومًا، وأن لا ينقد، وأن يكون مما لا منفعة فيه للجاعل إلا بتمامه، وأن لا يضرب للعمل المجعول فيه أجلًا، فهذه أربعة شروط، وقولنا:"أن يكون الجعل معلومًا" احترازًا من أن يكون مجهولًا.
فإذا كان الجعل مجهولًا والثمن مجهولًا، ولم يكن في الثمن إلى اجتهاد المجعول له لم يجز باتفاق المذهب.
وإن سمى له الثمن أو فوض إليه، ولم يسم الجعل جاز إذا كان هناك عرف جاز، وجاز في جعل مثل ذلك العمل.
وقولنا:"وأن لا ينقد"؛ لأنه إذا انتقد الجعل كان بيعًا تارة، وسلفًا