قال القاضي أبو بكر بن العربي: سمعت القاضي الريحاني - رضي الله عنه - ببيت المقدس يقول: البيع والنكاح عقدان يتعلق بهما قوام الإنسان؛ وذلك أن الله - عز وجل - خلق الآدمي محتاجًا إلى الغذاء، مشتهيًا للنساء، وخلق له ما في الأرض جميعًا كما أخبر في صادق كتابه، ولم يتركه يتصرف لإقضاء شهواته، ويستمتع بنفسه باختياره، وتتعارض الشهوات، والعقل يقضي أن يكون هناك قانون ينفصل به وجه المنازعة، فالشهوة تسترسل بحكم الجملة، والعلائق مقيدة بحكم الشريعة، وجعل لكل واحد من المكلفين اختصاصًا يناله به الله مما له فيه النفع، وجعل له سببين:
أحدهما: منحه ابتداءً؛ وهو الاصطياد، والاحتشاش والاحتطاب، والاقتطاع، على اختلاف وتفصيل.
والثاني: تنقله من يد إلى يد، وهو على وجهين:
أحدهما: بغير عوض؛ وهو الهبة.
والثاني: على عوض؛ وهو البيع، وما في معناه، وهذا بابه، وله شروط كثيرة، ومفسداته أكثر؛ لما قضى الله أن يكون الفساد أكثر من الصلاح، والشر أضعافًا من الخير؛ ولذلك تمتلئ النار بأصلها، وتبقى الجنة خالية حتى ينشئ الله لها خلقًا آخر.
فإذا ثبت ذلك، فتحصيل مشكلات هذا الكتاب وجملتها إحدى عشرة مسألة.