[المسألة الأولى في التفقه في أسئلة العينة والآجال]
فمن ذلك ما روي عن يونس بن أبي إسحاق الهمداني عن أمه العالية بنت أيفع أنها قالت: خرجت أنا وأم محبة أم ولد لزيد بن أرقم إلى مكة، فدخلنا على عائشة - رضي الله عنها - فسلمنا عليها، فقالت: من أنتن؟ فقلنا: من أهل الكوفة، قالت: فكأنها أعرضت عنا، فقالت أمُّ محبة: يا أم المؤمنين أتعرفين زيد بن أرقم؟ فقالت: نعم، قلت: فإني بعته عبدًا إلى العطاء بثمانمائة درهم، ثم إنه احتاج إلى ثمنه وأراد بيعه، فاشتريت منه بستمائة نقدًا قبل الأجل، قالت: فأقبلت علينا فقالت: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لم يتب، قلت: أرأيت إن تركت مائتين وأخذت الستمائة؟ قالت: نعم، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف (١).
وهذا وأمثاله أصل في حسم الذرائع، ودليل على منع الجرائر، ورد على الشافعي المجوز لبيوع الآجال؛ لأن عائشة - رضي الله عنها - عدَّت هذا البيع دينًا، وأوعدت عليه بأبلغ ما يكون، ولا يبلغ إلى مثل هذا التغليظ في مسائل الاجتهاد؛ ففهم من هذا، والحالة هذه أنها ما قالت ذلك إلا لتوقيف تقرر عندها في النازلة؛ إذ بطلان الجهاد لا يعلم قياسًا، وإنما يثبت توقيفًا، وهذا الذي ذكرناه إنما يصح الاستدلال به على القول بأن التوقيف المقدر كالتوقيف المصرح به.