المسألة الأولى في الفرق بين الذمة والرقبة حقيقة وحكمًا
فإن كان أكثر مسائل هذا الكتاب أحكامها جارية على ما يترتب في الذمة، أو يكون في الرقبة؛ فلأجل هذا يجب أن نبتدئ بها، ثم نتعقبها بمسائل الكتاب على الولاء إن شاء الله، فنقول -وبالله التوفيق: إن الفرق الحقيقي؛ وهو أن الرقبة عبارة عن شهامته، وهيكله، ودأبه؛ فإذا قيل في حكم من الأحكام هو في رقبة فلان، فالمراد أن يقضي منها عينًا، لا بدلًا.
وأما الذمة: فليست بعبارة عن ظرف ووعاء أثبتها الشرع لتكون محملًا للإلزام والالتزام شرعًا، لا وجود لها في الأعيان، وإنما وجودها في الأذهان؛ كالإنسانية في الإنسان، وكالحيوانية في الحيوان؛ وذلك أن الآدمي لما فارق سائر الحيوانات بخطاب الشرع فارقها بذمة تكون محملًا للالتزام في العقود والحقوق والتمليكات، وغير ذلك من أسباب الأحكام، وهو نوع كرامة لبني آدم لما أكرموا بالخطاب الملزم محقوق أكرموا بالمحل لذلك.
وأما الفرق الحكمي: فهو كل دين التزمه برضا من له الدين، فهو في ذمته، وسموا هذا بأنه دين معاملة.
وكل ما التزمه بغير رضاه فهو في رقبته، وسموا هذا دين جناية.