المسألة الثالثة في اختلاف المُعير والمستعير وشهادة الرسول في ذلك
واختلافهما يرجع إلى اختلاف المُتكاريين، وقد استوفينا الكلام عليه في "كتاب الرواحل والدواب"، ونُفرد الكلام هاهنا على فصلٍ لم نتكلم عليه هناك، وذلك: إذا بعَث رسولًا إلى رجل يُعيرُه دابة يركبُها إلى "برقة"، فأعارَه فركبها المُستعير إلى "برقة" فعطبت، فقال المُعير: إنما أعرتُهُ إلى فلسطين.
فلا يخلو الرسول من أن يُقرَّ بالتعدِّي أو لا يُقر.
فإن أقرَّ بالتعدي واعترف بأنه قال لربّ الدابة غير ما أمرهُ به المُستعير، فلا تخلو المسافتان من أنْ تتساويا في السهولة، والوُعورة أو تختلفا.
فإن تساوت، فلا ضمان على واحدٍ منهما، لا على الرسول، ولا على المستعير؛ لأن المُستعير نفسُه لو أصرفها إلى غير المسافة التي استعار إليها، وكانت مثلَها لسقَطَ عنهُ الضمان.
وإن اختلفت في السهولة والمرونة، وكانت التي ركبها فيها أشق من التي أذن فيها المُعير، فالرسول ضامن لقيمة الدابة دون المستعير.
فإن لم يعترف الرسول بالتعدِّي، والمُعير، والمُستعير قد اختلفا، فإن تساوت المسافتان، فلا ضمان على المستعير.
وإن كان مسافة الركوب أشق، فلا يخلو اختلافهما من أن يكون قبل الركوب أو بعد الركوب.
فإن كان قبل الركوب، فالقولُ قول المُعير مع يمينه قولًا واحدًا.