وإذا باع سلعة بمائة دينار على أن يسلف أحدهما لآخر عشرين دينارًا إلى أجل: فإن ذلك لا يجوز؛ لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وسلف، واتفق العلماء على أنه من البيوع الفاسدة.
واختلف إذا ترك الشرط قبل القبض؛ ومنعه أبو حنيفة والشافعي وسائر العلماء، إلا في مشهور مذهبه، على ما سنبينه تأصيلًا وتفصيلًا إن شاء الله تعالى.
وقد روى أن محمَّد بن أحمد بن سهل البرمكي سأل عن هذه المسألة إسماعيل بن إسحاق القاضي؛ فقال له: ما الفرق بين السلف والبيع، وبين رجل باع غلامًا بمائة دينار وزق خمر، فلما عقدا البيع قال: أنا أدع الزق؟
قال: هذا البيع مفسوخ بإجماع العلماء.
فأجاب عن هذا إسماعيل بجواب لا تقوم به حجة؛ وهو أن الفرق بينهما أن مشترط السلف مخير بين تركه وأخذه، وأنه يملك صحة البيع وفساده، وليس كذلك مسألة زق الخمر، ولا يخفى على لبيب أن هذا الجواب هو نفس الشيء الذي طولب بالفرق به؛ لأنه يقال: لما كان مخيرًا هاهنا, ولم يكن هناك مخيرًا في أن يترك الزق ويصح البيع.
وقد انفصل بعض المتأخرين عن سؤال البرمكي بأن قال: إن التحريم هاهنا لم يكن الشيء محرم لعينه وهو السلف لأن السلف مباح في نفسه، وإنما وقع من أجل اقترانه بالبيع، والبيع في نفسه جائز، وإنما امتنع لاقتران الشرط به، وفي مسألة الخمر امتنع لإتيانه بشىء محرم لعينه لأنه شيء