للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المسألة الرابعة في الإذن في التجارة، هل يتناول الإجارة؟]

اعلم أن أرباب المذهب اختلفوا في الإذن في التجارة هل ينتظم الإذن في الإجارة أم لا، على قولين:

أحدهما: أنه يتناوله وينتظمه، وهو مذهب ابن القاسم، ومن تابعه على ذلك؛ لأنه أباح للمأذون له في التجارة أخذ القراض، وذلك محض الإجارة.

والثاني: أنه لا ينتظمه ولا يقتضيه، وهو مذهب أشهب وسحنون ومن تابعهما؛ ولأجل ذلك منعا المأذون له في التجارة من أخذ القراض ورأياه من باب الإجارة.

وشبهة ابن القاسم: أن الإجارة عنه مقصوده حصول المالية على أي وجه كان، وقد تحصل ذلك بالإجارة حصوله بالتجارة؛ لأنه عوَض في مقابلة معوض، والإجارة في تحصيل مقصوده الذي هو استجلاب المال، واكتسابه كالتجارة، فوجب أن يفهم الإذن بها إذنًا الإجارة؛ إذ لا مضادة بينهما في باب المقصود.

وشبهة سحنون وأشهب: أن التجارة لا يستفاد من الإذن بها إذن في الإجارة؛ لأن الإجارة سبب لرفع التجارة، وتعطيل حركتها؛ لأن التجارة إنما تحصل بانتهاز الفرص، وتجرع الغصص، وطلب الغرة والتماس الغفلة، ومخالطة التجار، ومجالستهم، والتصرف معهم وبينهم، وارتصاد الأوقات، والتصرف في الحالات التي تحصل الأرباح فيها، وهذا الاستعداد يبطل بكونه أجر نفسه، كما يبطله بيعه لرقبته؛ لأن منفعته ملك من أملاك السيد؛ فبالطريق الذي به يمنع له بيع رقبته يمنع به بيع منافعه له؛ ولأنه متصرف بالإذن فلا يتعدى تصرفه محل الإذن.

وما قاله ابن القاسم أظهر؛ لأنه أذن له في طلب الكسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>