ومنهم من جعله من باب القياس، لا من باب التوقيف المصرح به، واستدل بعض الأصحاب على ذلك من باب التوقيف أن القياس لا يدل على المنع إذ البيع تعاوض العوضين وتقابل البدلين من غير اكتراث بما مضى وانقضى، ولم يبق إلا التوقيف والتنزيل أن يكون قياسًا، إما أن يكون على وفقه أو خلافه. فإن كان على خلاف القياس: فذلك ما كنا نبغيه.
وإن كان على وفقه: فقياس الصحابة أولى من قياسنا؛ لأنهم شاهدوا ورغبنا، وحضروا ونأينا، وعاينوا وأخبرنا فهم أعلم بالتأويل منا.
واعترض على هذا التقدير والاستدلال بأن ما يعرف معناه ومغزاه من أقوال الصحابة - رضوان الله عليهم - لا يقال فيه أنهم قالوا توقيفًا؛ إذ هم من آحاد المجتهدين، والمعنى في مسألتنا موجود، وهو دفع قليل في مقابلة كثير، وإنما الذي يقال فيه: أنهم قالوه توقيفًا ما لا يعلم معناه، ولا فهم مغزاه.
وأما توعد عائشة - رضي الله عنها - ببطلان الجهاد: فهذا قد يقوله المجتهد إذا كان المعنى جليًا عنده في حكم المقطوع به على طريق الإرعاد والإبراق والإيعاد، وللكلام في صور الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد مجال رحب، ومجرًا سخب في كلام العرب، ومثل هذا ما قاله ابن عباس - رضي الله عنه - في الميراث:(هو أبيك)؛ القول أن الذي أحصى رمل عالج عددًا لم يجعل في المال نصفًا ونصفًا وثلثًا، وقد ذهب النصفان بالمال، فأين الثلث؟ فمن شاء باهلته، فدعي إلى المباهلة، لما كان ذلك عنده لظهوره في حكم المنطوق به على طريق الإرعاد والإبراق كما تقدم.
وهذا الاعتراض لبعض المتأخرين، وقد ينفصل عن هذا الاعتراض بأن يقال: إن حمل ذلك على التغليظ فمن باب المجاز، والأصل في الصيغ