للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غزيرة اللبن: فلا بأس أن تسلم في حواشي الغنم.

والثانى: أنه يجوز سلم شاة كبيرة في معزتين صغيرتين، وهذا القول مروي عن مالك في "كتاب محمد" على، ما نقله أبو محمد بن أبي زيد في "النوادر"، قال والأول هو المعروف.

وسبب الخلاف: اختلافهم في سلم الأشياء بعضها في بعض هل المعتبر فيه اختلاف المنافع، أو المعتبر اختلاف الأسامي؟

وظاهر "المدونة" في مسألة الغنم ومسألة جواز سلم رقيق القطن في رقيق الكتان الواقعة في "كتاب السلم الثالث": أن المعتبر الألقاب والتسميات، كون هذا غنمًا اسم يعم الضأن والمعز: فيمنع السلم، وكون هذا كتانًا وهذا قطنًا: فيجوز السلم مع تساوي الصفة والمنفعة، على أن مشهور مذهب مالك - رضي الله عنه - اعتبار المنافع دون الألقاب والتسميات؛ ولهذا قال بعض حذاق المتأخرين في تحصيل المذهب في السلم: اختلاف الأغراض تصير الجنس أجناسًا، واتفاق الأغراض تصير الأجناس جنسًا يختلف باختلاف الصفات.

وسر هذا الباب: أن تعلم أن الموجب لاعتبار مالك -رحمه الله- في المتمولات: المقاصد والمنافع، دون الهياكل والأعيان؛ لأن الله تعالى إنما ملكنا منها المنافع خاصة، والأعيان ملك لله تعالى، ولا يملك العبد إلا ما ملكه المولى، وبهذا المعنى نطق القرآن من مفتتحه إلى مختتمه، وعلى هذا بني مالك - رضي الله عنه - إذا اعتبرته، ولاسيما في مسائل المعاوضات والجنايات على المتمولات، ويدلك على ذلك أن من استهلك لرجل ما لا منفعة فيه من العروض، أو حتى على ما لا منفعة فيه من الحيوان -الباطن منه والصامت- أنه لا شيء عليه ولا ضمان؛ لأنه لم يتلف عليه منفعة، وهذا سر مذهب مالك - رضي الله عنه - ولم أر من نبه لإثارة هذا السر العجيب إلا هذا الحبر

<<  <  ج: ص:  >  >>