والثالث: التفصيل بين أن يبين له البائع، أو لم يبين.
فإن بيَّن له: فالبيع جائز، وإن لم يبين: فالخيار للمشتري.
وهذا القول متأول على "المدونة".
وسبب الخلاف: الرخصة هل يعدي بها بابها أم لا؟ ولا شك أن الشراء على التصديق رخصة للمتبايعين ليدفعا عن أنفسهما مؤونة الكيل مع إمكان وجود النقص الكثير بعد الغيبة، فيرجعان إلى الخصام والأيمان، وذلك مخاطرة وغرر ولابد، فسومح للمشتري أن يصدق البائع مع هذا الإمكان؛ لما غلب على ظنه من تصديقه.
وإذا تعدى التصديق إلى ثان وإلى ثالث فقد كثر الخطر وانتشر الغرر [وتعدت](١) الرخصة بابها.
وقد اختلف الأصوليون في الرخصة هل تتعدى، أو لا تتعدى، وعليه ينبني الخلاف في هذه المسألة.
والجواب عن السؤال الثالث: وهو البيع على التصديق؛ مثل أن يسلم إلى رجل في أرادب من طعام فأتاه بطعام عند الأجل، وقال له: إن فيه القدر الذي تسألني فصدقه المشتري، وأمره أن يكيله في غدائره أو في ناحية منه حتى يلحقه فهل يعد ذلك منه قبض ويجوز للمشتري أن يبيعه قبل أن يكتاله؟ فالمذهب على ثلاثة أقوال، كلها قائمة من "المدونة":
أحدها: الجواز، وهو قول ابن القاسم في "كتاب السلم الثاني".
والثاني: المنع، وهو قول مالك وابن القاسم في "كتاب الصرف"، و"كتاب الرواحل والدواب"، وهو قول مالك في "كتاب السلم الثالث"؛