فإن كانت فيه محاباة: فالمذهب في جواز الإقالة على قولين قائمين من "المدونة":
أحدهما: جوازها، وهو قول ابن القاسم في "الكتاب".
والثاني: المنع، وهو قول سحنون، من غير التفات إلى الثلث على مذهبه، حمل ذلك الطعام أم لا، انتقد الثمن أم لا.
وسبب الخلاف: ما يوجبه الحكم هل هو مثل ما يوجبه الشرط أم لا.
وسحنون - رضي الله عنه - بني مذهبه على أن ما يوجبه الحكم مثل ما يوجبه الشرط؛ وذلك أن الإقالة شرطها التناجز، لا يجوز فيها التأخير، وإقالة المريض الأمر فيها مصروف إلى الثلث، والنظر فيها مترقب إلى بعد الموت؛ فلهذا حملنا مذهبه على التساوي بين أن ينقد الثمن أم لا ينقد، وهذا المذهب أصح وأسلم من المطالبة.
وأما مذهب ابن القاسم في هذه المسألة فقد اضطرب اضطرابًا أوجب تشتت آراء الناس الشارحين، وتباين تأويل المتأولين حتى لم يلتق رأى واحد منهم مع الآخر على التنزيل، ولا اتفق توارد خاطرهم على التأويل، بل كل واحد ركب رأسه وركب قياسه وأوتر قوسه ويصوب تأويل نفسه ويقوي سهام الطعن نحو تأويل غيره فشف قبلهم ترى ما بينهم، فالذي تحصل عندي من تأويل حذاقهم أربعة أوجه:
تأويل ابن القابسي: أن معنى المسألة أنه أوصى أن يقال وليست بإقالة بثلث؛ ولذلك جوزها ابن القاسم، فيعلق في "الكتاب" بقوله: إن كان الثلث يحمل جميعه: جاز ذلك وتمت وصيته، وهذا تأويل باطل؛ بدليل قوله في "الكتاب": لو لم تكن فيه محاباة لجاز ذلك، فلو كانت وصية لكانت من الثلث كانت فيها محاباة أم لا، وإنما سماها وصية تجوزًا في