لأنه أذل موجود وأعز مفقود، والربا شرع لحراسة الأموال التي يستضر وتكثر فيها الرغبة، ويقع التنافس في مستقر العادة عليها دون ما عداها.
ووجه القول الثاني: أن الحاجة إلى الماء آكد، والضرورة إليه أشد؛ إذ لا عوض له عند الحاجة إليه؛ إذ الطعام له عوض يجتزئ به الجائع، ويسد به رمقه، ويكسر به كلب الجوع عن نفسه؛ كسيرة أهل البوادي والأرياف في اقتياتهم بالغاسول وزريعة السلق وغير ذلك مما جرت عادتهم باستعماله في زمان الشدائد -نسأل الله السلامة والعافية- والماء لا عوض له في الشرب عند شدة العطش من جميع الأشربة، مع شدة ضرر العطش على ضرر الجوع لقلة الصبر عنه، فما كان هذا سبيله وجب أن يكون بالمنع أولى.
وأما إذا اشتراه على الجزاف، هل يجوز أن يبيعه قبل قبضه أم لا؟
المذهب على أربعة أقوال، كلها قائمة من "المدونة":
أحدها: الجواز جملة بلا تفصيل، وهو ظاهر "المدونة" وهو مشهور المذهب.
والثاني: المنع جملة بلا تفصيل حتى ينتقل من مكانه، وهو قول مالك في "العتبية"؛ لعموم الخبر.
والثالث: بالتفصيل بين الجزاف الذي هو في ضمان البائع، وبين الجزاف الذي هو في ضمان المشتري بالعقد.
والذي في ضمان البائع: فلا يجوز له بيعه قبل قبضه؛ مثل أن يشتري لبن غنم بأعيانها بغير كيل شهرًا، وهو قول ابن القاسم في "كتاب محمَّد"، وأجاز ذلك أشهب.
وإن كان في ضمان المشتري بالعقد: فإنه يجوز بيعه قبل قبضه.