فإذا ألزمنا المشتري البيع، ولزمنا البائع الإتيان بمثله ويتناقدان غير ما عليه تعاقدا: فلا خيرة للمشتري، كان ذلك مناقضًا لأهل المذهب، والأصول موضوعة عندنا على أن البيع مهما وقع علي غير معين، ثم تعذر استيفاؤه: فإن البيع بينهما منسوخ، إلا أن يتراضيا على أمر يجوز.
وهذا الاعتراض لازم، وما رأيت لأهل المذهب انفصالًا إلا مراعاة التهمة، فإنهم قالوا: إن البائع يتهم في فسخ البيع عن نفسه، فلذلك أتلف الطعام قبل أن يستوفيه المشتري، فعوقب بنقيض مقصوده، وكلف أن يأتي بطعام مثله لئلا يصل بتعديه إلى ما يريده، وهذا غاية ما ينفصل به، وذلك كما ترى.
والجواب عن الثاني: إذا هلكت بسبب الأجنبي فلا يخلو من وجهين: إما أن يعرف مكيلها، أو جهلت.
فإن جهلت المكيلة: فإنه يجب على المتعدي القيمة يغرمها.
وهل يفسخ البيع، أو يشتري بالقيمة طعامًا؟
فالمذهب على قولين:
أحدهما: أن البيع جائز، ويشتري بالقيمة للمشتري طعامًا، وهو قول ابن القاسم في المدونة.
والثاني: أن البيع مفسوخ بينهما ويغرم المتعدي القيمة للبائع، وليس للمشتري إلا ثمنه، وهو قول أشهب.
فإن عدمت القيمة ببينة، أو بإقرار المتعدي.
لأن إقراره بالعدد مقبول على ما نص عليه في الصبرة في "كتاب