وقد نص أصحابنا كالقاضي أبي الفرج وابن عبد الحكم على أن السلف على هذا الوجه جائز، فلا يكون ذلك سلفًا جر منفعة؛ لأن ذلك من صيانة الأموال وهي منفعة عامة.
فإن كان الثمن عرضًا، أو كان الشرط في المثمون: اشتراه منه على أن يوفيه إياه ببلد آخر، وكانت السلعة مما لها حملان، أو كانت خفيفة الحملان؛ مثل اللؤلؤ وما أشبهه من قليل المسك: فليس له أن يأخذه إلا في البلد الذي اشترط فيه أخذ ذلك الشىء.
ثم لا يخلو ذلك المشتري من أن يكون معينًا أو مضمونًا في الذمة.
فإن كان معينًا: فلا يجوز، قولًا واحدًا؛ لأنه معين يقبض إلى أجل، وهذا الذي قاله عمر - رضي الله عنه - فأين الحملان يريد الضمان.
وإن كان على أن يقبضه بموضع التتابع، واشترط عليه مع ذلك حملانه إلى بلد آخر: فإن ذلك جائز؛ لأنه بيع وكراء في صفقة واحدة.
وإن كان المشتري مضمونًا في الذمة؛ مثل أن يسلم إليه في طعام ببلد من البلدان على أن يوفيه بمصر: فلا يخلو من أن يسمى له موضعًا، أو لم يسمه.
فإن سمى للقضاء موضعًا؛ مثل أن يشرط عليه أن يوفيه بالفسطاط: فذلك جائز.
فإذا بقي في الأجل قدر مسافة ذلك البلد: جبر البائع على الخروج.
واختلف هل يجوز له أن يوكل من يقضي المشتري طعامه في بلد القضاء ويقعد هو على قولين:
أحدهما: أن ذلك جائز أن يوكل من يخرج مع المشتري، وهو قول ابن القاسم في "المدونة".