والثاني: المنع، وهو قائم من "المدونة" بالمعنى؛ وبيانه أنا لو جعلنا الخيار للمشتري في الرد أولًا فوجب أن يفسخ البيع ثم يختار التماسك آخرا؛ فيكون قد أخذ سلعة البائع بغير إذنه وذلك ممنوع شرعا، وهذا أصل متداع في أكثر مسائل "المدونة"؛ وهو المخير بين شيئين هل يعد مختارا لما ترك أم لا؟ وهذا معنى دقيق لا يفطن له إلا من عنده تحقيق وتدقيق.
واختلف في النصف في العروض هل هو في حيز القليل أو في حيز الكثير على قولين قائمين من "المدونة" من "كتاب القسمة" على ما لا يخفى، إلا أن المشهور في أن النصف في حيز اليسير في العروض.
والفرق بين الطعام والعروض على مشهور المذهب في أن النصف في الطعام في حيز الكثير وفي العروض في حيز اليسير أن العادة الجارية في المكيل والموزون من المأكول أن التنافس والرغبة في شراء الجملة أكثر، فإذا استحق منها النصف فقد ذهب المقصود، بخلاف العروض؛ فإن المقصود منها أعيانها حتى لا يكاد الثمن يختلف في شراء آحادها وأعدادها على المشهور.
فإذا استحق منها النصف فلا خيار له لبقاء النصف وهو كثير. والمكيل والموزون والمعدود من العروض في استحقاق النصف سواء.
والمعتبر فيما ذكرناه من استحقاق الأقل والأكثر إنما هو في القيمة دون أعيان السلع وأعدادها، بخلاف المكيل، والموزون من الطعام والعروض فإن المعتبر فيه أعداد ما يستحق فيرجع بقدر ذلك من الثمن دون تقويم إلا في صورة واحدة فإن العروض المعدودة فيها توافق الطعام؛ وهو إذا اشترى عدلا على أن فيه خمسين ثوبا فوجد فيه أربعين فإنه يرجع بخمس الثمن، ولا تقويم في هذا لعدم ما يقوم.