ووجه قول ابن القاسم: أن النار غالبة فاعلة بنفسها؛ فأشبهت الفأر والسوس.
ووجه قول مالك: أن النار سببها الإنسان وهو موقدها، وإن إحراقها يحتمل أن يكون لأجل تصرفه بها، فيسقط منها ما أحرق، أو لكونه أوقدها بقرب ما أحرقت.
والجواب عن الصورة الثانية: إذا أشكل السبب؛ مثل أن يأتي بالثوب وبه أثر مبهم، فيدعي أنه من قرض فأر، أو حرق نار، ولم يتبين ذلك للناظر فيه، فإنه لا يضمن قولًا واحدًا في المذهب فيما علمت.
والجواب عن الصورة الثالثة: إذا تيقن السبب نفسه، وأشكل وجهه كالفران يأتي بالخبز محروقًا فيدعي أنه مغلوب، أو يرى الثوب في النار، ولم يعلم هل السبب اختياري أو اضطراري، أو يرى في الثوب قرض، ولم يعلم هل صنع أم لا، أو غير ذلك مما تبقى فيه وجوه السبب، وعلم عينه، فهل يثبت الضمان أو يسقط؟
فالمذهب على قولين:
أحدهما: إثبات الضمان عليهم تمسكًا بالأصل حتى يتبين خلافه، وهو قول مالك في "الكتاب" في قرض الفأرة.
والثاني: نفى الضمان عليهم لوضوح نفس السبب؛ إذ لا يثبت التعدي بالدعوى، وهو قوله في "الكتاب" في احتراق الخبز عند الفران، وبه قال ابن حبيب [والحمد لله وحده](١).