ثم قال: أرأيت إن أكريت دارًا لي على أن يتخذوها مسجدًا عشر سنين؟ قال: ذلك جائز، قلت: فإذا مضت العشر سنين؟ قال: إذا انقضت المدة رجعت الدار إلى ربها، ويكون نقض المسجد لأهل النقض الذي اشتروا وبنوا به المسجد.
فانظر كيف جوز إجارة الدار لمن يبنيها مسجدًا، ومنع من أن يبني هو مسجدًا يبنيها، ومنع من كراء البيت لمن يصلي فيه، وجوز إجارة الدار، فذهب بعضهم إلى تلفيق الأجوبة، وتأويلها على الوفاق فقال: إنما تكلم ابن القاسم قبل الوقوع فكرهه؛ لأن ذلك ليس من مكارم الأخلاق، وأنه إن فعل جاز، كما أنه أجاز إجارة المصحف لكنه ليس من مكارم الأخلاق، وهذا معنى منع محمَّد إجارة المصحف، والذي أكرى أرضه أو داره لم يتخذه مسجدًا؛ لأنه أكرى ما يجوز له كراؤه، وليفعل مكتريه ما شاء، ولو سلم البيت لمكتريه لكان كالدار، وإنما أكره له كراءه منهم أوقات الصلاة فقط، فإذا فرغوا وخرجوا رجع إلى ربه ينتفع به ما بينه، وبين الصلاة الأخرى.
فلو اكتروها جملة ينتفعون به مدة كرائهم وغيرها مما هو جنس الصلاة لجاز ابتداء كما جوز في الدار.
فلو كان اكتراؤهم للدار في أوقات الصلاة خاصة لقبح، ولم يصلح كما قال في البيت؛ إذ ليس من مكارم الأخلاق، ويحمل قول الغير على أن ذلك بعد الوقوع والنزول، وابن القاسم تكلم على ما كان قبل الوقوع، وهذا تأويل أبي الفضل وغيره.
وذهب غيرهم إلى أن ذلك اختلاف قول، وأن قوله في الدار خلاف قوله في البيت، وأنه لا فرق بينهما، وهذا قول حمديس.
وقال القاضي: أبو الفضل: فعلى قول حمديس يدخل من الخلاف