للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقصر فيه الصلاة لم يلزمه الشخوص عن مثل ذلك، وليشهد عند من يأمر له القاضي في ذلك البلد، ويكتب بما شهدوا به عدال القاضي.

فأما من كان على بريد أو بريدين: فإنه يؤدي شهادته عن الحاكم.

ثم لا يخلو الشاهد حينئذ من أن يكون غنيًا أو فقيرًا؛ فإن كان غنيًا يجد نفقة ومركوبًا في شخوصه إلى أداء الشهادة: فلا يجوز للمشهود له أن يقيم لهم بذلك، فإن فعل سقطت شهادتهم، وهو قول سحنون؛ لأن ذلك من باب الرشوة والمنفعة التي لا تلزم المشهود له؛ لأن ذلك أمر لازم للشاهد، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (١)، وقال سبحانه: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} (٢)، وقال جلّ من قائل: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (٣).

فإن كان فقيرًا ولم يجد نفقة ولا مركوبًا: فلا بأس أن يقيم لهم الشهود بذلك من ماله؛ لأنها مؤونة لا تلزم الشهود، فلم تبطل شهادتهم بتكلف المشهود له كسائر نفقاته، وكذلك لو استشهد إلى مسافة بعيدة ليعاينوا حدود أرض وصفتها، فلا بأس أن يركبوا دوابه للشهود له ويأكلون طعامه، وهو قول مطرف في "كتاب ابن حبيب"، وروى ابن سحنون عن أبيه في الشاهد يأتي من البادية يشهد لرجل، فينزل عنده في ضيافته حتى يخرج: فإنه لا ترد شهادته بذلك إذا كان عدلًا، وهذا ضعيف فإذا قلنا بجواز نقل الشهادة عن الشاهد على الوجه المشروع: فلا خلاف -عندنا- في المذهب أنه لا يجوز في ذلك نقل الواحد عن الواحد؛ لأنه ربع الشهادة، وقال في "المدونة": لو جاز ذلك لم يتوصل إلى الحق إلى بيمين، وإنما ينقل الاثنان عن واحد، وينقل عن كل واحد اثنان، ويجوز


(١) سورة الطلاق الآية (٢).
(٢) سورة البقرة الآية (٢٨٣).
(٣) سورة البقرة الآية (٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>