وذهب بعضهم إلى أن ذلك ليس باختلاف، وأن ابن القاسم إنما تكلم على من لا يعرف بالناس، وسحنون إنما تكلم على من لا يعرف به، ويتوسم بأن عنده ما يؤدي منه عليه من الحق.
والجواب عن الوجه الثالث: وهو الذي أخذ أموال الناس، وتعقد عليها، وادعى العدم، فتبين كذبه؛ إذ لم يعلم أنه اجتيح بحريق أو بسرقة: فإنه يسجن أبدًا حتى يؤدي أموال الناس، أو يموت في السجن، وروى عن سحنون أنه يضرب بالدرة المرة بعد المرة حتى يؤدي أموال الناس.
وقال القاضي ابن رشد: وليس قول سحنون بخلاف لمذهب مالك؛ فقد قال مالك: وضرب الإمام الخصم على اللدد، وأيّ لدد أبين من هذا، فالقضاء بما روى عن سحنون في مثل هؤلاء الذين يقعدون على أموال الناس، ويرضون بالسجن، ويستحقونه ليأكلوا أموال الناس ويستهضموها؛ بل هو الواجب الذي لا تصح مخالفته إن شاء الله تعالى.
وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: تحدث للناس أقضيه بقدر ما أحدثوا من الفجور (١).
وما حكاه ابن الهندي عن سحنون رضي الله عنه أنه قال في ابن أبي الجواد إذا ضربه حتى مات إن صح فلا يدل على رجوعه عن مذهبه، وإنما يدل على ثبوته عليه، واستنصاره فيه مع ورعه وفضله؛ لأنه قال: لم أقتله أنا، وإنما قتله الحق، وأشفق -مع ذلك- إشفاق المؤمن الحذر الخائف لربه؛ مخافة أن يكون جاوز في اجتهاده، اقتداءًا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوله: