إن طلب ذلك، فأمعن النظر في هذا المعنى كيف يجوز للحاكم مساعدة الولد على تحليف الأب وسجنه، وهو من الكبائر، وكيف يحمله على ارتكاب محظور متفق على حظره.
فإن قلنا: إن الولد طلب أمرًا أباحته الشريعة على الجملة، فنقول أيضًا في ضمن امتثاله أمر قد حصرته الشريعة على الجملة، والأصول على أن كل طاعة لا يتوصل إلى فعلها إلا بارتكاب محظورة في نفسها.
أصل ذلك الحج على مشهور المذهب، فإن الولد إذا تعينت عليه فريضة الحج، فمنعه أبوه من السفر لأدائها أنه لا يخرج، ولا يكون عاصيًا بترك المبادرة إلى أدائها؛ بل هو عاص بالخروج، مطيع بالتخلف عن الخروج، ولو مات قبل أن يحج على الصورة المفروضة لكان غير مأثوم، وهذا كما تراه، ولاسيما على مذهب البغداديين من أصحابنا القائلين بأن فريضة الحج على الفور.
وقال بعض المتأخرين غاية المقدور في ذلك أن يقال للولد قد طلبت حقًا واجبًا في مقتضى الشرع، فأنت عاص في استيفائه.
فانظر لنفسك ما هو أرشد لها.
وأما إذا امتنع الأب [من](١) الإنفاق على ولده الصغير: فإنه يحبس في ذلك، وهو قول محمد بن عبد الحكم في "كتاب ابن سحنون": والفرق بين النفقة، وما له عليه من الدين أن ترك الإنفاق على ولده الصغير من الإضرار به، فالسلطان يأخذه بذلك، ويلزمه إياه.
ويحبس الوصي فيما على الأيتام من دين إذا كان لهم في يده مال، وكذلك الأب يحبس في الدين الذي على الولد إذا كان له بيده