للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علموا بالدين، أو كان الميت موصوفًا بالدين: فلا يخلو الورثة من أن يقسموا جميع التركة، أو عزلوا منها مقدار الدين، ثم قسموا ما بقى.

وإن قسموا جميع التركة: فلا تخلو التركة من أن تكون قائمة، أو فائتة.

فإن كانت قائمة إما بأيدي الورثة، وإما في أيدي غيرهم مثل أن يبيعوها، أو يهبوها، أو يتصدقوا بها، فهل تنتقض القسمة أم لا؟

فالمذهب على قولين قائمين من "المدونة":

أحدهما: أن القسمة تنتقض، وهي رواية أشهب عن مالك، وإن رضي الورثة بدفع الدين من أموالهم، وينتقد ما عقدوا فيها من العفو وتسترجع السلع من يد من قبضها -مشتريًا كان أو موهوبًا له؛ لأن الميراث لا يصح إلا بعد قضاء الدين؛ لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (١) , فصار بيعًا منهيًا عنه لحق الله تعالى، فأشبه بيع يوم الجمعة أو الثنية، أو بيع التفرقة، وما أشبه هذا، فيجب فسخه لمكان النهي عنه، وإن كان لا غرر في ثمنه، ولا مثمونة.

والقول الثاني: أن القسمة لا تنتقض، فإن كان الورثة أملياء، أو كان الثمن الذي باعوا به قائمًا بأيديهم، ويدفع للغرماء، ويمضي البيع؛ لأن الغرماء لا حق لهم في أعيان السلع، وإنما حقهم في دين يأخذونه، فمتى أخذوه لم يكن لهم في السلع كلام.

فإن لم يكن للورثة مال، ولا وجد معهم الثمن الذي باعوا به: كان للغرماء أخذ السلع من أيدي المشتريين، إلا أن يشاء المشترون أن يدفعوا قيمة ما نمى في أيديهم لو نقص قيمته يوم قبضوه، فذلك لهم.


(١) سورة النساء الآية (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>