وأما إن كان معلومًا بالسفه: فلا يخرجه الاحتلام من ولاية أبيه، وأفعاله كلها مردودة غير جائزة.
وأما إن كان مجهول الحال لا يعلم رشده من سفهه: فقد اختلف فيه المذهب على أربعة أقوال:
أحدها: أنه محمول على السفه حتى يثبت رشده، وهو قول ابن القاسم في "كتاب الصدقة"، و"الهبة"؛ حيث قال: ليس الاحتلام بالذي يخرجه من ولاية أبيه حتى يعرف حاله، ويشهد العدول على صلاح أمره، وهو ظاهر سائر الروايات عنه، وعن مالك في "المدونة" وغيرها.
والثاني: أنه محمول على الرشد حتى يثبت سفهه، وأنه بالاحتلام يخرج من ولاية أبيه إذا لم يعرف سفهه ولا رشده، روى ذلك زياد عن مالك، وهو ظاهر ما وقع في أول "كتاب النكاح الأول" من "المدونة".
والثالث: التفصيل بين النفس والمال؛ ويحمل على الرشد في نفسه، وعلى السفه في ماله، وهو تأويل أبي محمد على "المدونة" في قوله: وإذا احتلم الغلام، فله أن يذهب حيث شاء، إلا أن يخاف عليه من ناحية السفه، فللأب أن يمنعه، وقال الشيخ أبو محمد: يريد بنفسه لا بماله.
والرابع: أنه لا يخرج بالاحتلام من ولاية أبيه حتى يمر به العام ونحوه، وإليه ذهب ابن العطار في وثائقه.
ولا زلت قط أتأمل قوله في "كتاب النكاح الأول" أنه إذا احتلم يجوز أن يذهب حيث يشاء، فأباح له الأسفار والجولان في الأمصار بغير رضي الأب والاختيار.
ووقع في "العتبية" من رواية أشهب عن مالك أنه سأله رجل فقال: إن ابني تزوج امرأة، وهو يريد أن يذهب معها ويدعني وأنا شيخ كبير لا