والثاني: أن ذلك يشبه العمد فلا قصاص فيه، وفيه الدِّية مغلظة في ماله. وهي رواية العراقيين عن مالك، ورواية ابن حبيب عن ابن وهب.
والقول الأول أصح؛ والدليل عليه حديث أنس في شأن أمّ الربيع روى في الصحيح أن ابنت النضر أخت الربيع لطمت جارية فكسرت سنها، فاختصموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بالقصاص فقالت أم الربيع يا رسول الله، أيقتص من فلانة؟ والله لا يقتص منها.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أم الربيع، القصاص في كتاب الله تعالى" فقالت: والله ما يقتص منها أبدًا، فما زالت حتى قبلوا الدِّية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره"(١).
وهذا الحديث خرَّجه مسلم على هذا السياق.
وأما الوجه الثاني والثالث: إذا كان على وجه الأدب ممن يجوز له الأدب، أو على وجه اللعب كالمتصارعين والمتراميين؛ يموت أحدهما بفعل صاحبه ففي ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: وجوب القصاص على أنه عمد محض، وهو قول مطرف، وابن الماجشون.
والثاني: أنه لا قصاص فيه، وتُغَلَّظ فيه الدِّية على أنه شبه العمد، وهي رواية ابن حبيب عن ابن وهب.
والثالث: أنه خطأ، وفيه الدِّية غير مغلظة على العاقلة فيما زاد على الثلث، وهو قوله في "المدونة"، وهو مشهور مذهبه.