وقال القرطبي: صحت الرواية فيه بالنصب، ورواه ابن ماهان (جذعٌ) مرفوعًا على خبر (ليت)، ونصبه من أحد ثلاثة أوجه: أوّلها: أنّه خبر (كان) مقدَّرة؛ أي: يا ليتني أكون فيها جذعًا، وهذا على رأي الكوفيّين كما قالوا في قوله تعالى:(انتَهُوا خيرًا لكم)[النساء: ١٧١]،أي يكن خيرًا لكم؛ ومذهب البصريّين أنّ (خيرًا) إنّما انتصب بإضمار فعل دلّ عليه (انتهوا)، والتقدير: انتهوا وافعلوا خيرًا. وثانيها: أنّه حال، وخبر (ليت) في المجرور، فيكون التقدير: ليتني كائن فيها، أي: مدّةَ النبوّة في هذه الحال.
وثالثها: أن تكون (ليت) أُعمِلتْ عمل (تمنيت)، فنصبت اسمين، كما قاله الكوفيون، وأنشدو عليه:
يا ليتَ أيّام الصبا رواجعا
وهذا فيه نظر.
وقال ابن مالك في توضيحه: في قوله: (يا ليتني) يظن أكثر الناس أن "يا" التي تليها "ليت" حرف نداء، والمنادى محذوف. فتقدير قول ورقة على هذا: يا محمد، ليتني كنت حيا. وتقدير قوله تعالى:(يا ليتني كنت معهم)[النساء: ٧٣]. وهذا الرأي عندي ضعيف، لأن قائل هذا، أي:"يا ليتني" قد يكون وحده، فلا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف، كقول مريم علىها السلام:(يا ليتني مت قبل هذا)[مريم: ٢٣]، ولأن الشيء إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه إذا كان الموضع الذي ادعي فيه حذفه