فلا خلاف في ثبوته، وكذلك السنة المتواترة قطعية الثبوت، فلا خلاف في ثبوتها، مثل أفعال الصلاة ومناسك الحج، وكذلك الدلالة القطعية التي لا تحتمل معنى آخر في القرآن أو السنة المتواترة، فلا خلاف فيها، مثل المقادير والحدود، وإنما ينحصر الاختلاف في الدلالة الظنية وفي الثبوت الظني كأخبار الآحاد.
٨ - لم يقع الاختلاف في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه كان المرجع الوحيد للتشريع، وكان عليه الصلاة والسلام يعتمد على الوحي، وكان الصحابة إذا اختلفوا في حكم -لم يرد فيه نص- يرجعون إليه لمعرفة الصواب، ومع ذلك فإننا نلاحظ تعدد الأقوال في المسألة الواحدة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يقر حكمين مختلفين لبيان إباحة الأمرين واستوائهما، أو لإباحة الأمرين مع تفضيل أحدهما على الآخر، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها:
أ - سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أوقات متعددة عن أفضل الأعمال، فتعدد جوابه بحسب الأشخاص والأحوال والظروف المحيطة بالسائل، وقال مرة:"الجهاد في سبيل الله"، وقال:"بر الوالدين"، وقال:"الصلاة في وقتها"، وغير ذلك، وسئل عليه الصلاة والسلام: أي الإسلام خير؟ قال:"تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف (١) ".
ب - جاء رجلان من الصحابة إلى مسيلمة الكذاب فأمسكهما
(١) رواه الشيخان والنسائي، وسأل أبو ذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيله"، أخرجه الشيخان، انظر رياض الصالحين: ٧٧ - ٧٨، تيسير الوصول: ١ ص ١٩، الترغيب والترهيب:١ ص ٢٥٦، ٢ ص ٢٤٢، ٢٤٧، ٢٤٩، ٣ ص ٣١٤، ٣١٥، مجمع الزوائد: ١ ص ٥٥، وروى البخاري ومسلم: "إيمان بالله ورسوله، ثم الجهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور" انظر الترغيب والترهيب: ٢ ص ١٦٢، صحيح مسلم بشرح النووي: ٢/ ٧٢، ٧٤.