ينهى الله المؤمنات في هذه الآية الكريمة عن مخاطبة الرجال الأجانب بترقيق الصوت والليونة في القول فيطمع فيها الذي في قلبه مرض الشهوة المحرمة، وذلك سداً لذريعة الفساد، كما قالوا: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء .. ، ثم يبين تعالى وجوب أن يكون موضوع الحديث الكلام الحسن المعروف الذي فيه مصلحة شرعية دون لغوِ الكلام الذي لا فائدة فيه فضلا عما فيه إثارة للشهوة وإيقاظ للفتنة- ومن المنكرات الظاهرة أن نجد الشبان والفتيات وقد وقفوا يتبادلون أطراف الحديث، ويتصافحون ويتلاعبون بدعوى الصداقة البريئة أو الزمالة، أو أنهم مثل الإِخوة، ونحو هذا مما ينافي نص القرآن وروح الشريعة التي سعت دائماً للفصل بين الرجال والنساء حتى في الصلاة حين يقفون بين يدي ربهم أبعد ما يكونون عن الشهوة - وذلك لما للإختلاط من أعظم المفاسد على الجنسين جميعاً فالرجل يميل بطبعه إلى المرأة، والمرأة تميل بفطرتها إلى الرجل، ويحدث عند التقائهما ما لا يقدرون على منعه. وادعاء البراءة والأخوة في هذه الحالة إنما هي من مكر الشيطان ليتدرج بها إلى الفاحشة، ومعظم النار من مستصغر الشرر، وكم من علاقة محرمة نشأت بسبب الحديث والنظر، ولقد بين الله سبحانه وهو العليم بما فطر عليه عباده حرمة نظر الرجل إلى المرأة وبالعكس، فقال:
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الإستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش". [رواه مسلم]
وقال - صلى الله عليه وسلم - لمن سأل عن نظر الفجأة:"اصرف بصرك". [رواه مسلم]
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لأنْ يُطعَن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له". [صحيح رواه الطبراني]
وهذا يدل على حرمة لمس المرأة الأجنبية ومصافحتها، وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمن الفتنة على صحابي جليل هو ابن عمه الفضل بن العباس -رضي الله عنهما- وعلى صحابية جليلة هي المرأة الخثعمية التي سألته عن الحج عن أبيها ولوى عنق الفضل حتى لا ينظر إليها وقال:"رأيت شاباً وشابة فلم آمن عليهما الفتنة". [كما في البخاري]